Munqidh
المنقذ: قراءة لقلب أفلاطون (مع النص الكامل للرسالة السابعة)
Noocyada
فهي التي تقوم بتغذية الطبقتين السابقتين وتعنى بأملاك الدولة. وهي إن كانت بطبيعتها تتجه للكسب والتملك وإشباع الحاجات الضرورية، فعليها أن تبلغ من العقل بقدر ما يمكنها بلوغه.
الدولة السيئة تتحكم فيها الشهوات، فتصبح التجارة والبضائع غايات في ذاتها، بينما يقضي الواجب بأن تكون مجرد وسائل، وتتحكم المصالح ورءوس الأموال في تحديد طابعها فتفقد التوازن بين وظائفها. أما الدولة الخيرة فتقوم على الطبقات الثلاث التي تعرف كل منها وظيفتها كما يعرف الفرد وظائفه ...
والدولة السيئة تتيح الفرصة لظهور رذائل لا حصر لها. أما الدولة الخيرة فمن أهم واجباتها أن تحقق الفضائل الأربع الأساسية، وهي: الحكمة التي تنشأ عن تدبير حكامها، والشجاعة التي تتكفل تربية الحراس برعايتها، والعفة التي تأتي من التزامها الحد والاعتدال، والعدالة التي تترتب على حصول كل مواطن على حقه ما دام يؤدي واجبه ...
من أين تأتي فكرة الدولة الخيرة؟
تأتي حين يفكر الفيلسوف (أو قل في لغة اليوم: صاحب العلم والخبرة) في مثل الوحدة والعدالة والصحة والانسجام ... إلخ. ويبذل في هذا التفكير أقصى ما يمكنه بذله من جهد في المشاركة، ويحصل من هذه المشاركة على أقصى قدر ممكن من الحيوية والتنظيم والترتيب في المجتمع البشري.
لا يمكن أن تقوم الدولة بغير فلسفة تستند إليها. فليست الدولة السيئة هي التي تخلو من الفلسفة أو تستغني عنها، بل هي التي تقوم على فلسفة فاسدة. إن الناس يفكرون باستمرار. وإذا لم يفكروا تفكيرا صحيحا فهم يفكرون بالضرورة بطريقة فاسدة تؤدي إلى الدولة الفاسدة. وإذا لم يحكم الفيلسوف، فلا مفر من أن يحكم السفسطائي.
هذا أمر تستلزمه طبيعة العالم الذي نحيا فيه (كما يحيا سجناء الكهف!)، وإذا لم يحكم «سقراط» ومعه العقل والفضيلة، فلا مفر من أن يحكم أمثال «كاليكيليس» ومعه البطش والعسف، وإذا لم تحكم نظرية المثل (أو العلم الحق) صار الحكم للنزعة التجريبية «أو للرأي المتقلب والظن».
4
لا بد إذا أن تتدخل الفلسفة «لتنقذ» الناس وترسم لهم بالفكر معالم الدولة الشرعية العادلة. وإذا لم تفعل هذا نكصت عن أداء واجبها وتخلت عن حمل رسالتها، وألقت بزمام السلطة في أيدي الطاغية وعصبته الدجالين. وهو الأمر الذي تعاني منه كل الدول في الواقع الذي عاصره أفلاطون. لهذا نفض يديه من العمل السياسي وقصر جهده على التربية السياسية بمعناها الأشمل، بعد أن اقتنع بأن «حالة الدول الحاضرة كلها سيئة، وأنها تحكم حكما يدعو للرثاء، وأن دساتيرها المريضة لا يشفيها إلا إصلاح يتم بمعجزة توجدها المصادفة أو يسندها حسن الحظ، (الرسالة السابعة، 326ب).
لكن ما العدل وما الظلم وما الطغيان؟ وكيف يصير الطاغية أساس الشر ومبدأه المطلق؟ والحراس - رعاة الشعب - كيف انقلبوا لذئاب شرسة؟ كيف احتاج الحراس إلى حراس؟! «العدالة حكمة وفضيلة، والظلم جهل ورذيلة.»
Bog aan la aqoon