ترجمة المصنف:
"من قلمه في كتابه طبقات القراء"
محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري مؤلف هذا الكتاب يكنى أبا الخير. ولد فيما حقق من لفظ والده في ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة داخل خط القصاعين. وأجازه خال جده محمد بن إسماعيل الخباز وسمع منه فيما أخبره والده، ولم يقف على ذلك. وحفظ القرآن سنة أربع وستين وصلى به سنة خمس. وسمع الحديث من جماعة من أصحاب الفخر بين البخاري وغيرهم. وأفرد القراءات على الشيخ أبي محمد بن عبد الوهاب بن السلار والشيخ أحمد بن إبراهيم بن الطحان، والشيخ أحمد بن رجب في سنة ست وسبع. وجمع للسبعة على الشيخ المجود إبراهيم الحموي، ثم جمع القراءات بمضمن كتب على الشيخ أبي المعالي بن اللبان في سنة ثمان وستين. وحج في هذه السنة فقرأه بمضمن١ والتيسير على الشيخ أبي عبد الله محمد بن صالح الخطيب الإمام بالمدينة الشريفة. ثم رحل إلى الديار المصرية في سنة تسع فجمع القراءات الاثنتي عشرة بمضمن كتب على الشيخ أبي بكر عبد الله بن الجندي والسبعة بمضمن العنوان والتيسير والشاطبية على العلامة أبي عبد الله بن الجندي، والسبعة بمضمن العنوان والتيسير والشاطبية على العلامة أبي عبد الله محمد بن الصائغ، والشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن البغدادي فتوفي ابن الجندي، وهو قد وصل إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ﴾ في النحل، فاستجازه فأجزه، وأشهد عليه ثم توفي، فأكمل على الشيخين المذكورين، ثم رجع إلى دمشق ورحل رحلة ثانية فجمع على ابن الصائغ للعشرة بمضمن الكتب الثلاثة المذكورة،
وبمضمن المستنير والتذكرة والإرشادين والتجريد وعلى ابن البغدادي للأئمة الثلاثة عشروهم العشرة المشهورة وابن محيصن والأعمش والحسن البصري بمضمن الكتب التي تلا بها المذكور على شيخه ابن الصائغ وغيره.
_________
١ كذا في الأصل.
1 / 3
وسمع الحديث ممن بقى من أصحاب الدمياطي والأبرقوهي. وأخذ الفقه عن الشيخ عبد الرحيم الإسنوي، وغيره وسمع الحديث من غيرهم. ثم عاد إلى دمشق فجمع القراءات السبع في ختمة على القاضي أبي يوسف أحمد بن الحسين الكفري الحنفي، ثم رحل إلى الديار المصرية وقرأ بها الأصول والمعاني والبيان على الشيخ ضياء الدين سعد الله القزويني، وأخذ عن غيره، ورحل إلى الإسكندرية فسمع من أصحاب ابن عبد السلام وابن نصر وغيرهم، وقرأ بمضمن الإعلان وغيره على الشيخ عبد الوهاب القروي، وسمع من هؤلاء الشيوخ وغيرهم كثيرا من كتب القراءات بالسماع والإجازة، وقرأ على غير هؤلاء القراءات، ولم يكمل. وأجازه وأذن له بالإفتاء شيخ الإسلام أبو الفداء إسماعيل بن كثير سنة أربع وسبعين وكذلك أذن له الشيخ ضياء الدين سنة ثمان وسبعين، وكذلك شيخ الإسلام البلقيني سنة خمس وثمانين وجلس للإقراء تحت النسر من الجامع الأموي سنين، وولي مشيخ الإقراء الكبرى بتربة أم الصالح بعد وفاة أبي محمد عبد الوهاب بن السلار.
وقرأ عليه القراءات جماعة كثيرون، فممن كمل عليه القراءات العشر بالشام ومصر ابنه أبو بكر أحمد والشيخ محمود بن الحسين بن سليمان الشيرازي، والشيخ أبو بكر بن مصبح الحموي والشيخ نجيب الدين عبد الله بن قطب البيهقي والشيخ أحمد بن محمود بن أحمد الحجازي الضرير، والمحب محمد بن أحمد بن الهائم، والشيخ الخطيب مؤمن بن علي بن محمد الرومي والشيخ يوسف بن أحمد بن يوسف الحبشي والشيخ علي إبراهيم بن أحمد الصالحي والشيخ علي بن حسين بن علي اليزدي، والشيخ موسى بن الكردي، والشيخ علي بن محمد بن علي بن نفيس، وأحمد بن علي بن إبراهيم الرماني.
وولي قضاء الشام سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، ثم دخل الروم لما ناله من الظلم من أخذ ماله بالديار المصرية في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، فنزل بمدينة برصة دار الملك العادل المجاهد بايزيد بن عثمان، فأكمل عليه القراءات العشر بها والشيخ عوض بن١ والشيخ سليمان بن٢ والشيخ أحمد ابن الشيخ رجب والوالد الفاضل علي باشا، والإمام صفر شاه والولدان الصالحان محمود ومحمود ابنا الشيخ الصالح الزاهد فخر الدين الياس بن عبد الله، والشيخ أبو سعيد بن بشلمش بن منتشا شيخ مدينة العلايا.
_________
١ كذا بالأصل.
٢ كذا بالأصل.
1 / 4
وممن قرأ عليه جمعا للعشرة، ولم يكمل ولده أبو الفتح محمد وأبو القسم علي بن محمد بن حمزة الحسيني والشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن ميمون البلوي الأندلسي، وصل إلى آخر الأحزاب والشيخ صدقة بن حسين بن سلامة الضرير وصل إلى آخر التوبة، والشيخ أحمد بن حسين السيواسي، وصل إلى آخر سبأ والخطيب يعقوب بن عبد الله الخطيب بمدينة العلايا إلى آخر آل عمران، والشيخ أمين الدين محمد بن التبريزي شيخ مدينة لارنده، والشيخ عبد المحسن بن التبريزي شيخ تبريز، والشيخ عبد الحميد بن أحمد بن محمد التبريزي، والشيخ علي بن قنان الرسعتي، والشيخ أحمد البرمي الضريري والشيخ موسى بن أحمد بن إسحق الشهبي، والشيخ علي بن المهتار وحافظ الدين.
ثم كانت الفتنة التمرية بالروم في أول سنة خمس وثمانمائة فأخذه أمير تمر من الروم، وحمله إلى بلاد ما وراء النهر وأنزله بمدينة كش فقرأ عليه بها، وبسمرقند جماعة منهم عبد القادر بن طلة الرومي، والحافظ بايزيد بن الكشي والحافظ المقري محمود ابن شيخ القراءات بها، وجماعة لم يكملوا. ولما توفي أمير تمر في شعبان سنة سبع، وثمانمائة خرج من كش فوصل إلى بلاد خرسان، ودخل مدينة هراة فقرأ عليه للعشر جماعة أكمل منهم الإمام العالم جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد الشهير بابن افتخار الهروي. ثم قفل راجعا إلى مدينة يزد فقرأ عليه للعشرة جماعة منهم المقرئ الفاضل شمس الدين محمد بن الدباغ البغدادي، وجماعة لم يكملوا. ثم دخل أصبهان فقرأ عليه بها جماعة أيضا، ولم يكملوا ثم وصل إلى شيراز في رمضان سنة ثمان وثمانمائة، فأمسكه بها جماعة كثيرون للعشرة في جمع منهم السيد محمد بن حيدر المسبحي وإمام الدين عبد الرحيم الأصبهاني، ونجم الدين الخلال وأبو بكر بن الخنجي، ثم ألزمه صاحبها بر محمد بالقضاء بها وبممالكها، وما أضيف إليها كرها فبقي فيها مدة، وتغيرت عليه الملوك، ومن أخذها لا يمكنه من الخروج منها حتى فتح الله تعالى، فخرج منها متوجها إلى البصرة، وكان قد رحل إليه المقرئ الفاضل المبرز أبو الحسن طاهر بن عربشاه الأصبهاني، فجمع عليه ختمة بالعشرة بمضمن الطيبة والنشر. ثم شرع في ختمة لقتيبة ونصير عن الكسائي، وفارقه بالبصرة وتوجه معه المولى معين الدين عبد الله بن قاضي كازرون فوصلا إلى قرية عنيزة، فنظم بها الدرة في قراءات الثلاثة حسبما تضمنه تحبير التيسير، وعرض المولى معين ختمة بقراءة أبي جعفر ختمها بالمدينة، ثم ختمة لابن كثير ختمها بمكة، وكان يقرأ عليه في أثناء الطريق وبمكة قراءة عاصم فأتمها وحفظ أكثر الطيبة
1 / 5
وفتح الله تعالى بالمجاورة بالمدينة، وبمكة في سنة ثلاث وعشرين بعد أخذ الأعراب له ورجوعه إلى عنيزة. وفي إقامته بالمدينة قرأ عليه شيخ الحرم الطواشي.
وألف في القراءات كتاب النشر في القراءات العشر في مجلدين ومختصره التقريب وتحبير التيسير في القراءات العشر، وهذا الكتاب وهو تاريخ القراء وطبقاتهم مختصرا من أصله. ولما أخذه أمير تيمورالي ما وراء النهر ألف شرح المصابيح في ثلاث أسفار.
وألف غير ذلك في التفسير والحديث والفقه والعربية، ونظم كثيرا في العلوم ونظم غاية المهرة في الزيادة على العشرة قديما ونظم طيبة النشر في القراءات العشر والجوهرة في النحو، والمقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه وغير ذلك في فنون شتى.
قال الفقير المغترف من بحاره: توفي شيخنا ﵀ ضحوة الخميس لخمس خلون من أول الربيعين سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بمدينة شيراز، ودفن بدار القرآن التي أنشأها، وكانت جنازته مشهورة تبادر الأشراف والخواص والعوام إلى حملها وتقبيلها، ومسها تبركا بها، ومن لم يمكنه الوصول إلى ذلك كان يتبرك بمن تبرك، وقد اندرس بموته كثير من مهام الإسلام رحمه الله تعالى.
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد حمد الله تعالى الذي خلقنا على السنة نعتقد العشرة، والصلاة والسلام على خير الخلق محمد وآله وصحبه الكرام البررة، فهذا "منجد المقرئين ومرشد الطالبين". قال أبو القاسم الهذلي: سأل مالك ﵁ نافعا عن البسملة فقال: السنة الجهر بها. فسلم إليه وقال: كل علم يسأل عن أهله. ولا شك عند كل ذي لب أن من تكلم في علم ولو كان إماما فيه، وكان العلم يتعلق بعلم آخر وهو غير متقن لما يتعلق به داخله الوهم والغلط عند حاجته إليه. ولا ينبغي لمن وهبه الله عقلا وذهنا وعلما أن يهجم على كل ما وقع، ولكن ينظر كما نظر من قبله فالحق أحق أن يتبع. إيش أقول ألهمم القاصرة تصير سائر العلوم داثرة، والتزاحم على مناصب الدنيا زهد المشتغلين عن طلب الدرجة العليا لا حول ولا قوة إلا بالله.
آها على الأعلام كيف تغيبوا ... وبقي الذين حياتهم لا تنفع
ما قيل ما قد قيل إلا أنه ... خلت الديار فليس إلا بلقع
أيها الإخوان، أنى لكم أن تظنوا الظنون؟ ألم تسمعوا قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩] هبوا أنه لم يسعكم نقله كيف يسعكم جهله؟ وهذه أوراق أرسلتها العراك ونصبتها عليكم كالشباك، عسى أن يكون فيها سعيد ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٧] ما عصم إلا الأنبياء ولو ورثهم العلماء ولا تقليد في الاعتقاد والله أسأل السداد.
وجعلتها سبعة أبواب: الباب الأول في القراءات والمقرئ والقارئ وما يلزمهما.
الباب الثاني: في القراءة المتواترة والصحيحة والشاذة واختلاف العلماء في ذلك وإيضاح الحق منه.
الباب الثالث: في أن العشرة لا زالت مشهورة من لدن قرئ بها، وإلى اليوم لم ينكرها أحد من السلف ولا من الخلف.
الباب الرابع: في سرد مشاهير من قرأ بها وأقرأ في الأمصار إلى يومنا هذا.
1 / 7
الباب الخامس: في حكاية ما وقفت عليه من أقوال العلماء فيها.
الباب السادس: في أن العشرة بعض الأحرف السبعة، وأنها متواترة فرشا وأصولا حال اجتماعهم وافتراقهم وحل مشكل ذلك.
الباب السابع: في ذكر منكره من العلماء المقتصر على القراءات السبع، وأن ذلك سبب نسبتهم ابن مجاهد إلى التقصير.
1 / 8
الباب الأول: "في القراءات والمقرئ والقارئ وما يلزمهما وما يتعلق بذلك"
القراءات علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة. خرج النحو واللغة والتفسير وما أشبه ذلك. والمقرئ العالم بها وراها مشافهة، فلو حفظ "التيسير" مثلا ليس له أن يقرئ بما فيه إن لم يشافهه من شوفه به مسلسلا لأن في القراءات أشياء لا تحكم إلا بالسماع والمشافهة. والقارئ المبتدئ من شرع في الإفراد إلى أن يفرد ثلاثا من القراءات، والمنتهى من نقل القراءات أكثرها وأشهرها. وأول ما يجب على كل مسلم أن يخلص النية لله تعالى في كل عمل يقربه إليه، وأن يقصد به رضا الله تعالى لا غير قال تعالى: ﴿مَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: ٥] و﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] وعلامة صدق المخلصين ما قاله السيد ذو النون المصري: ثلاث من علامات الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال، واقتضاء ثواب الأعمال في الآخرة. والذي يلزم المقرئ أن يختلق به من العلوم قبل أن ينصب نفسه للاشتغال أن يعلم من الفقه ما يصلح به أمر دينه، ولا بأس من الزيادة في الفقه بحيث إنه يرشد طلبته، وغيرهم إذا وقع لهم شيء، ويعلم من الأصول قدر ما يدفع به شبهة من يطعن في بعض القراءات، وأن يحصل جانبا من النحو والصرف بحيث إنه يوجه ما يقع له من القراءات، وهذا من أهم ما يحتاج إليه وإلا يخطئ في كثير مما يقع في وقف حمزة والإمالة ونحو ذلك
من الوقف والابتداء وغيره، وما أحسن قول الإمام أبي الحسن الحصري:
لقد يدعي علم القراءات معشر ... وباعهم في النحو أقصر من شبر
فإن قيل ما إعراب هذا ووجهه؟ ... رأيت طويل الباع يقصر عن فتر
وليحصل طرفا من اللغة والتفسير، ولا يشترط أن يعلم الناسخ والمنسوخ كما اشترطه الإمام الجعبري. ويلزمه أيضا أن يحفظ كتابا مشتملا على ما يقرئ به من
1 / 9
القراءات أصولا وفرشا، وإلا داخله الوهم والغلط في كثير. وإن أقرأ بكتاب وهو غير حافظ له فلا بد أن يكون ذاكرا كيفية تلاوته به حال تلقيه من شيخه مستصحبا ذلك، فإن شك في شيء فلا يستنكف أن يسأل رفيقه أو غيره ممن قرأ بذلك الكتاب حتى يتحقق بطريق القطع أو غلبة الظن فإن لم١. وإلا فلينبه على ذلك بخطه في الإجازة، وأما من نسي أو ترك فلا يعدل إليه إلا لضرورة، ككونه انفرد بسند عال أو طريق لا توجد عند غيره فعند ذلك والحالة هذه لا يخلو إما أن يكون القارئ عليه مستحضرا ذاكرا عالما بكيفية ما يقرأ أولا، فإن كان فسائغ جائز وإلا فحرام ممنوع. وأن يحذر الإقراء بما يحسن في رأيه دون النقل أو وجه إعراب أو لغة دون رواية.
ونقل أبو القاسم الهذلي عن أبي بكر بن مجاهد أنه قال: لا تغتروا بكل مقرئ إذ الناس على طبقات؛ فمنهم من حفظ الآية والآيتين والسورة والسورتين، ولا علم له غير ذلك فلا تؤخذ عنه القراءة، ولا تنقل عنه الرواية ولا يقرأ عليه، ومنهم من حفظ الروايات، ولم يعلم معانيها ولا استنباطها من لغات العرب، ونحوها فلا تؤخذ عنه لأنه ربما يصحف، ومنهم من يعلم العربية، ولا يتبع الأثر والمشايخ في القراءة فلا تنقل عنه الرواية لأنه ربما حسنت له العربية حرفا ولم يقرأ به والرواية متبعة والقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، ومنهم من فهم التلاوة وعلم الرواية، وأخذ حظّا من الدراية من النحو واللغة، فتؤخذ منه الرواية ويقصد للقراءة. وليس الشرط أن يجتمع فيه جميع العلوم إذا الشريعة واسعة والعمر قصير وفنون العلم كثيرة ودواعيه قليلة، والعوائق ملعومة تشغل كل فريق بما يعنيه. قلت: فحسبك تمسكا بقول هذا الإمام في المقرئ الذي يؤخذ عنه ويقصد.
ولا يجوز له أن يقرئ إلا بما سمع أو قرأ، فإن قرأ الحروف المختلف فيها أو سمعها فلا إخلاف في جواز إقرائه القرآن العظيم بها بالشرط المتقدم، وهو أن يكون ذاكرا، وما بعده وهل يجوز له أن يقول قرأت بها القرآن كله؟ لا يخلو إما أن يكون قرأ القرآن كله بتلك الرواية على شيخه أصولا وفرشا، ولم يفته إلا تلك الأحرف فيتلفظ بها بعد ذلك أو قبله أو لا، فإن كان فيجوز له ذلك وإلا فلا. ورأى الإمام ابن مجاهد وغيره جواز قول بعض من يقول قرأت برواية كذا القرآن من غير تأكيد إذا كان قرأ القرآن، وهذا قولا يعول عليه، وكنت قد ملت إليه ثم ظهر لي أنه تدليس فاحش، وهذا يلزم منه مفاسد كثيرة فرجعت عنه. وهل يجوز له أن يقرأ القرآن بما أجيز له على أنواع
_________
١ كذا في الأصل.
1 / 10
الإجازة؟ جوز ذلك العلامة الجعبري مطلقا، ومنعه الحافظ الحجة أبو العلاء الهمداني، وجعله من أكبر الكبائر. وعندي أنه لا يخلو إما أن يكون تلا بذلك أو سمعه فأراد أن يعلي السند أو يكثر الطرق فجعلها متابعة أولا، فإن كان فجائز حسن فعل ذلك العلامة أبو حيان في كتاب "التجريد" وغيره عن أبي الحسن بن البخاري وغيره متابعة، وكذا فعل الشيخ الإمام تقي الدين محمد بن أحمد الصائغ بالمستنير عن الشيخ كمال الدين الضرير عن السلفي. وممن أقرأ بالإجازة من غير متابعة الإمام أبو معشر الطبري، وتبعه الجعبري وغيره، وعندي في ذلك نظر لكن لا بد من اشتراط الأهلية. ولا بد للمقرئ من التنبيه بحال الرجال والأسانيد مؤتلفها ومختلفها، وجرحها وتعديلها، ومتقنها ومغفلها، وهذا من أهم ما يحتاج إليه. وقد وقع لكثير من المتقدمين في أسانيد كتبهم أوهام كثيرة وغلطات عديدة من إسقاط رجال، وتسمية آخرين بغير أسمائهم وتصاحيف وغير ذلك، وقد نبهت على ذلك في كتاب طبقات القراء، وعقدت في أوله فصلا مشتملا على ما اشتبه في الاسم والنسبة.
وشرط المقرئ وصفته أن يكون مع ما ذكرناه حرا عاقلا مسلما مكلفا ثقة مأمونا ضابطا متنزها عن أسباب الفسق ومسقطات المروءة، أما إذا كان مستورا وهو أن يكون ظاهر العدالة، ولم تعرف عدالته الباطنة فيحتمل أنه يضره كالشهادة، والظاهر أنه لا يضره لأن العدالة الباطنة تعسر معرفتها على غير الحكام ففي اشتراطها حرج على الطلبة والعوام. وينبغي للمقرئ أن لا يحرم نفسه من الخلال الحميدة المرضية من الزهد في الدنيا، والتقلل منها وعدم المبالاة بها وبأهلها والسخاء والحلم والصبر ومكارم الأخلاق وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة وملازمة الورع والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع، وليجتنب الملابس المكروهة وغير ذلك مما لا يليق به، وليحذر كل الحذر من الرياء والحسد الحقد والغيبة واحتقار غيره، وإن كان دونه والعجب وقل من يسلم منه. روينا عن الإمام أبي الحسن الكسائي أنه قال: صليت بالرشيد فأعجبتني قراءتي فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبي قط أردت أن أقول: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢، الأعراف: ١٦٨، يوسف: ٦٢] فقلت: لعلهم يرجعين. قال: فوالله ما اجترأ هارون أن يقول لي أخطأت، ولكنه لما سلمت قال لي: يا كسائي، أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد! قال: أما فنعم. وينبغي له أيضا أن لا يقصد بذلك توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا من مال أو رياسة أو وجاهة أو ثناء عند الناس أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك.
1 / 11
وأما أخذ الأجرة على الإقراء ففي ذلك خلاف مشهور بين العلماء؛ فمنع أبو حنيفة والزهري، وجماعة أخذ الأجرة وأجازها الحسن وابن سيرين والشعبي إذا لم يشترط، ومذهب الشافعي، ومالك وعطاء جوازها إذا شارطه واستأجره إجاره صحيحة. قلت: لن يشترط أن يكون في بلده غيره، أما إذا لم يكن غيره فلا يحل له أخذ الأجرة لأن الإقراء صار عليه واجبا. وأما قبول الهدية ممن يقرأ عليه فامتنع من قبولها جماعة من السلف، والخلف تورعا خوفا من أنها تكون بسبب القراءة. وقال الإمام محيي الدين النووي: ولا يشين المقرئ إقراؤه بطمع في رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه سواء كان الرفق مالا أو خدمة، وإن قل ولو كان على صورة الهدية التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه. قلت: وحسن التفصيل كما قيل في القاضي لا يخلو إما أن يكون القارئ كان يهدي للشيخ قبل قراءته عليه أولا، فإن كان فلا يكره. قال الإمام النووي: وليحذر -يعني المقرئ- من كراهته قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلمين الجاهلين، وهي دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته، بل هي حجة قاطعة على عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى فإنه لو أراد الله تعالى بتعليمه لما كره ذلك، ولقال لنفسه أنا أردت الطاعة بتعليمه، وقد حصلت وهو قصد بقراءته على غيري زيادة علم فلا عتب عليه.
فإذا جلس ينبغي أن يكون مستقبل القبلة على طهارة كاملة، ويجلس جاثيا على ركبتيه، ويصون عينيه في حال الإقراء عن تفريق نظرهما من غير حاجة، ويديه عن العبث إلا أن يشير إلى القارئ بأصابعه إلى المد والوقف والوصل، وغير ذلك مما مضى السلف عليه. وينبغي أن يوسع مجلسه ليتمكن جلساؤه فيه لأنا قد روينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال: "خير المجالس أوسعها" ١ وليقدم الأول فالأول، فإن رضي الأول بتقديم غيره قدمه؛ هذا الذي رأينا عليه الخلف من شيوخنا لا يفعلون غيره وأخبرونا بذلك عن شيوخهم مسلسلا، وروي عن حمزة أنه كان يقدم الفقهاء من طلبة العلم، فأول من يقرأ عليه سفيان الثوري. وكان أبو عبد الرحمن السلمي وعاصم يبدآن بأهل السوق لئلا يحتبسوا عن معايشهم. قلت: الظاهر أنهم كانوا يجتمعون للصلاة بالمسجد ثم يجسون بعد أجمعون جملة لا يسبق أحدا أحدا، وإذا كان كذلك فالشيخ عند ذلك مخير في تقديم أيهم.
_________
١ رواه أبو داود في الأدب باب١٢، وأحمد في مسنده "٣/ ١٨، ٦٩".
1 / 12
وهل يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية؟ فالذي نصر عليه العلماء أنه لا يمتنع، وقالوا: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله. معناه أنه كانت عاقبته لله. وينبغي له القيام في مجلسه لمن يستحق الإكرام من طلبته، وغيرهم استمالة لقلوبهم على حسب ما يراه فقد كان نافع يقوم لابن جماز إذا رآه ويرفع قدره ويجل منزلته؛ لأنه كان رفيقه في القراءة على أبي جعفر ثم قرأ عليه. ويستحب أن يسوي بين الطلبة بحبسهم إلا أن يكون أحدهم مسافرا أو يتفرس فيه النجابة أو غير ذلك، وله أن يقرئهم ما شاء كثرة وقلة، وأما ما ورد عن السلف من أنهم كانوا يقرئون ثلاثا ثلاثا، وخمسا خمسا وعشرا عشرا لا يزيدون على ذلك فهذه حالة التلقين. وأما من يريد تصحيح قراءة أو نقل رواية أو نحو ذلك فلا حرج على المقرئ أن يقرئ ما شاء، وقد قرأ ابن مسعود على النبي ﷺ من أول سورة النساء إلى قوله تعالى: ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [الآية: ٤١] وقال نافع لورش: لما قدم عليه وسأله أن يقرأ عليه: بت في المسجد فلما اجتمع عليه أصحابه قال لورش: أبت في المسجد؟ قال: نهم. قال: أنت أولى بالقراءة فقرأ عليه القرآن كله في خمسين يوما. وعلى هذا مضت سنة المقرئين، وقد قرأ الشيخ نجم الدين عبد الله بن عبد المؤمن مؤلف الكنز القرآن كله جمعا بالعشر على شيخ شيوخنا الإمام تقي الدين بن أحمد الصائغ لما رحل إليه إلى مصر في كدة سبعة عشرة يوما، وقرأت أنا على شيخنا العلامة الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ لما رحلت إليه الرحلة الأولى إلى مصر وأدركني السفر، وكنت قد وصلت عليه إلى آخر "الحجر" جمعا للقراءات السبع ضمن "الشاطبية" و"العنوان" و"التيسير" فابتدأت عليه "النحل" ليلة الجمعة، وختمت عليه ليلة الخميس في ذلك الأسبوع، وآخر مجلس قرأته أني ابتدأت من أول "الواقعة" ولم أزل حتى ختمت في مجلس واحد ليلا. وقدم على دمشق شخص من حلب، فقرأ علي القرآن أجمع بقراءة ابن كثير في خمسة أيام متتابعات، ثم قراءة الكسائي في سبعة أيام كذلك.
ويجوز له الإقراء في الطريق لا نعرف أحدا أنكر هذا إلا ما روي عن الإمام مالك ﵁ أنه قال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق. وكان الشيخ علم الدين السخاوي ﵀ وغيره يقرؤن في الطريق، وروى ابن أبي داود عن أبي الدرداء ﵁ أنه كان يقرئ في الطريق. وعن عمر بن عبد العزيز أنه أذن فيها. قال الشيخ محي الدين النووي ﵀: وأما القراءة في الطريق فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلْتَهِ صاحبها، فإن التهى عنها كرهت كما كره النبي ﷺ القراءة للناعس مخافة من
1 / 13
الغلط. قلت: وقد قرأت على الإمام شمس الدين بن الصائغ في الطريق غير مرة، تارة أكون أنا وهو ماشيين وتارة يكون راكبا على البغلة وأنا ماش. وأخبرني غير واحدة من شيوخنا منهم الإمام العلامة القاضي محب الدين بن يوسف الحلبي ناظر الجيوش الشامية أنهم كانوا يستبشرون يوم بروح الشيخ تقي الدين الصائغ إلى جنازة. قال القاضي محب الدين: كثيرا ما كان يأخذني في خدمته، فكنت أقرأ عليه في الطريق ماشيا، وهو راكب على حمارته. وقال عطاء بن السائب: كنا نقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وهو يمشي قال السخاوي عقب هذا: وقد عاب قوم علينا الإقراء في الطريق، ولنا في أبي عبد الرحمن أسوة، كيف وقد كان لمن هو خير منا قدوة؟
وينبغي له إذا أراد التصنيف أن يبدأ بما يعم النفع به وتكثر الحاجة إليه بعد تصحيح النية، والأولى أن يكون شيئا لم يسبق إلى مثله، وليحذر ما استطاع وليحسن الثناء على من يذكره من الأئمة والشيوخ.
وأما القارئ فتقدم حكمه، وما يجب عليه من الإخلاص وحسن النية ثم يجد في قطع ما يقدر عليه من العلائق والعوائق الشاغلة عن تمام مراده، وليبادر في شبابه وأوقات عمره إلى التحصيل، ولا يغتر بخدع التسويف فهذه آفة الطالب، وأن لا يستنكف عن أحد وجد عنده فائدة. وليقصد شيخا كملت أهليته، وظهرت ديانته جامعا لتلك الشروط المتقدمة أو أكثرها، فإذا دخل عليه فليكن كامل الحال متنظفا متطهرا متأدبا، وعليه أن ينظر شيخه بعين الاحترام، ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على نظرائه. قال الربيع صاحب الشافعي: ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له. فإن وقع منه نقص فليجعل النقص من نفسه بأنه لم يفهم قول الشيخ كان بعض أهل العلم إذا ذهب لشيخه تصدق بشيء وقال: اللهم استر عيب معلمي عني ولا تذهب بركة علمه مني.
وينبغي أن لا يذكر عند شيخه أحدا من أقرانه ولا يقول قال فلان خلافا لقولك، وأن يرد غيبة شيخه إن قدر، فإن تعذر عليه ردها قام وفارق ذلك المجلس. وإذا قرب من حلقة الشيخ فليسلم على الحاضرين وليخص الشيخ بالتحية، ولا يتخطى رقاب الناس بل يجلس حيث انتهى به المجلس إلا أن يأذن له الشيخ في التقدم. ولا يقيم أحدا من مجلسه فإن آثره لم يقبل اقتداء بابن عمر ﵄ إلا أن يقسم عليه أو يأمره الشيخ بذلك. ولا يجلس بين صاحبين بغير إذنهما، وإذا جلس فليتوسع وليتأدب
1 / 14
مع رفقته وحاضري مجلس الشيخ فإن ذلك تأدب مع الشيخ وصيانة لمجلسه. ولا يرفع صوته رفعا بليغا ولا يضحك ولا يكثر الكلام ولا يلتفت يمينا ولا شمالا بل يكون مقبلا على الشيخ مصغيا إلى كلامه. قال الشيخ محي الدين النووي: ومن آدابه -يعني القارئ- أن يحتمل جفوة الشيخ وسوء خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله فيتأول أفعاله وأقواله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة فلا يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق أو عديمه انتهى.
وينبغي أن لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ وملله وغمه وجوعه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك مما يشق على الشيخ أو يمنعه من كمال حضور القلب، وأن يحرص كل الحرص على أن يقرأ على الشيخ أولا فإنه أَفْوَد له وأسهل على الشيخ. وإذا أراد القراءة ينبغي أن يستاك بعود من أراك فإنه أبقى للفصاحة وأنقى للنكهة. ويجوز له القيام لشيخه وأستاذه وهو يقرأ، ولمن فيه فضيلة من علم أو صلاح أو شرف أو سن أو حرمة بولاية أو غير ذلك، وذكر الشيخ محيي الدين النووي أن قيام القارئ في هذه الأحوال وغيرها مستحب لكن بشرط أن يكون القيام على سبيل الإكرام والاحترام لا على سبيل الرياء والإعظام.
وينبغي أن يفرد القراءات كلها، فإن أراد الجمع فلا بد من حفظ كتاب جامع في القراءات. وعليه أن يحفظ كتابا في الرسم وليعلم حقيقة التجويد ومخارج الحروف وصفاتها، وما يتعلق بها علما وعملا.
وأما الجمع وكيفيته فلم أر أحدا نبه عليه، ولم يكونوا في الصدر الأول يقرئون بالجمع، وقد تتبعت تراجم القراء فلم أعلم متى خرج الجمع، وقد بلغني أن شخصا من المغاربة ألف كتابا في كيفية الجمع لكن ظهر لي أن الإقراء بالجمع ظهر من حدود الأربعمائة وهلم جرا وتلقاه الناس بالقبول، وقرأ به العلماء وغيرهم لا نعلم أحدا كرهه. أقرأ به الحافظ أبو عمرو الداني ومكي القيسي وابن مهران وأبو القاسم الهذلي، وأبو العز القلانسي والحافظ أبو العلاء الهمداني والشاطبي وإسحاق، وممن قرأ به من المتأخرين الإمام الحافظ أبو شامة والإمام المجتهد أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي والإمام الجعبري والناس. والذي ينبغي أن القارئ لا يقصد بتكراره وجه الرواية فقط، وإنما يقصد التدبر والتفكر وتكثير الأجر وأن له بكل حرف عشر حسنات. وينبغي أن لا يقف إلا على وقف أجازه العلماء، ولا يبتدئ إلا بما تظهر به الفائدة وليكرر الوجه بعد الوجه
1 / 15
من الابتداء إلى الوقف. وأما ما أخذ به بعض المتأخرين من أنهم يقرؤن الجمع كلمة كلمة فبدعة، وحشة تخرج القرآن عن مقصوده ومعناه، ولا يحصل منها مراد السامع والله تعالى أعلم بما على من يتعمد ذلك.
ولا حرج على القارئ أن يبتدئ في حالة الجمع بما شاء من القراءات في تقديم وتأخير إذ المقصود قراءة جميع الأوجه لكن الأسهل أن يقرأ بالترتيب كما رتبه صاحب كتابه. والأولى أنه إذا وقف على قراءة يبتدئ بها فإنه أقوى في الاستحضار وأبعد من التركيب. وأما ما يتعلق بذلك فمعنى قولنا فيما تقدم أن يكون ذاكرا كيفية تلاوته به الخ إنما هو المذكور في الكتاب من فرش وأصول ونحوه مما لا حرج فيه إذ غيره لا ينضبط لأن كل كلمة وصلها أو فصلها على شيخه متى فصل الموصولة أو وصل المفصولة خالفه كما لو ابتدأ بهمزة الوصل في نحو ﴿لِقَاءَنَا ائْتِ﴾ [يونس: ١٥] أو وقف على حرف مبدل نحو "نعمة" و"رحمة" أو حرف مد نحو ﴿قَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [النمل: ١٥] ﴿قَالُوا الْآنَ﴾ [البقرة: ٧١] ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ﴾ [القرة: ٢٦٩] فإن ادعى أحد ضبط كيفية تلاوته على شيخه بذلك، وقال أصل ما وصلت وأفصل ما فصلت، فجوابه أن سوعدت على ذلك، وتحريت وضبطت فأقرأت به جعلت الجائز واجبا لكن نقول: النقل على قسمين: مقروء ومروي، فالأول المقروء على معرفة كيفية تلاوته وضبطها، والثاني نحو ما مثلنا به آنفا فينبغي للمجيز أن يقول: أذنت أو أجزت له أن يقرأ بما قرأه علي وما لا حرج فيه، ويقول المجاز في الأول قرأته، وفي الثاني رويته، وأعلى ما يكتب للمجاز الإذن والأهلية لا يكتب إلا لذلك، وذاك ثم كذلك، ويجوز له أن يقول: أجزت له أن يقرئ بكذا عند تأهله لذلك. ولا بد من سماع الأسانيد على الشيخ والأعلى أن يحدث الشيخ بها لفظه، فأما من لم يسمع الأسانيد على شيخه فأسانيده من طريقه منقطعة. وأما ما جرت به العادة من الإشهاد على الشيخ بالإجازة والقراءة فحسن يدفع التهمة ويسكن القلب، وأمر الشهادة يتعلق بالقارئ يشهد على الشيخ من يختار، والأحسن أن يشهد أن أقرانه النجباء من القراء المنتهين لأنه أنفع له حال كبره.
فصل:
تعلم القراءة فرض كفاية، فإن لم يكن من يصلح له إلا واحد تعين عليه، وإن كان جماعة يحصل المقصود ببعضهم، فإن امتنعوا كلهم أثموا، وإن قام به بعضهم سقط
1 / 16
الحرج عن الباقين، وإن طلب من أحدهم وامتنع فأظهر الوجهين عندنا أنه لا يأثم لكن يكره له ذلك إن لم يكن له عذر.
وهل يجوز تركيب قراءة في قراءة؟ لا يخلو إما أن يكون عالما أو جاهلا، فإن كان فعيب وإلا فغير الأولى. وأطلق الإمام محي الدين النووي حيث قال: إنه ابتداء -يعني القارئ- بقراءة أحد القراء فينبغي أن لا يزال على القراءة بها ما دام الكلام مرتبطا، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أخرى من السبعة، والأولى دوامه على الأولى في هذا المجلس. وقال أبو عمرو ابن الصلاح في آخر جوابه عن السؤال الذي ورد من العجم: وإذا شرع القارئ بقراءة ينبغي أن لا يزال يقرأ بها ما بقي للكلام تعلق بما ابتدأ به، وما خالف هذا ففيه جائز، وممتنع وعذر المرض مانع من بيانه بحقه والعلم عند الله تعالى.
1 / 17
الباب الثاني: "في القراءة المتواترة والصحيحة والشاذة"
نقول: كل قراءة وافقت العربية مطلقا، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا وتواتر نقلها، هذه القراءة المتواترة المقطوع بها. ومعنى "العربية مطلقا" أي ولو بوجه من الإعراب نحو قراءة حمزة "وَالْأَرْحَامِ" [النساء: ١] بالجر وقراءة أبي جعفر "لِيَجْزِئ قَوْمًا" [الجاثية: ١٤] ومعنى أحد المصاحف العثمانية واحد من المصاحف التي وجهها عثمان ﵁ إلى الأمصار. وكقراءة ابن كثير في التوبة "جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ" [التوبة: ٧٢] بزيادة "من" فإنها لا توجد إلا في مصحف مكة. ومعنى "ولو تقديرا" ما يحتمله رسم المصحف كقراءة من قرأ: "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ" [الفاتحة: ٤] بالألف فإنها كتبت بغير ألف في جميع المصاحف، فاحتملت الكتابة أن تكون "مالك" وفعل بها كما فعل باسم الفاعل من قوله: "قادر" و"صالح" ونحو ذلك مما حذفت منه الألف للاختصار، فهو موافق للرسم تقديرا. ونعني بالتواتر ما وراه جماعة كذا إلى منتهاه يفيد العلم من غير تعيين عدد؛ هذا هو الصحيح، وقيل بالتعيين واختلفوا فيه فقيل ستة وقيل اثنا عشر وقيل: عشرون، وقيل: أربعون، وقيل: سبعون والذي جمع في زماننا هذه الأركان الثلاثة هو قراءة الأئمة العشرة التي أجمع الناس على تلقيها بالقبول وهم: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف، أخذها الخلف عن السلف إلى أن وصلت إلى زماننا، كما سنوضح ذلك، فقراءة أحدهم كقراءة الباقين في كونها مقطوعا بها كما سيجيء وقول من قال: إن القراءات المتواترة لا حد لها، إن أراد في زماننا فغير صحيح؛
لأنه لا يوجد اليوم قراءة متواترة وراء العشر، وإن أراد في الصدر الأول فيحتمل إن شاء الله.
وأما القراءة الصحيحة فهي على قسمين: الأول ما صح سنده بنقل العدل الضابط عن الضابط كذا إلى منتهاه، ووافق العربية والرسم، وهذا على ضربين: ضرب استفاض
1 / 18
نقله وتلقاه الأئمة بالقبول كما انفرد به بعض الرواة، وبعض الكتب المعتبرة أو كمراتب القراء في المد ونحو ذلك، فهذا صحيح مقطوع به أنه منزل على النبي ﷺ من الأحرف السبعة كما نبين حكم المتلقي بالقبول، وهذا الضرب يلحق بالقراءة المتواترة، وإن لم يبلغ مبلغها كما سيجيء. وضرب لم تتلقه الأمة بالقبول ولم يستفض؛ فالذي يظهر من كلام كثير من العلماء جواز القراءة به والصلاة به، والذي نص عليه أبو عمرو بن الصلاح وغيره أن ما وراء العشرة ممنوع من القراءة به منع تحريم لا منع كراهة كما سيأتي. وقال شيخنا قاضي القضاة أبو نصر عبد الوهاب بن السبكي في كتابه "جمع الجوامع" في الأصول: ولا تجوز القراءة بالشاذ، والصحيح أن ما وراء العشرة فهو شاذ، وفاقا للبغوي والشيخ الإمام. قلت: يعني بالشيخ والده مجتهد العصر أبا الحسن علي بن عبد الكافي السبكي.
والقسم الثاني من القراءة الصحيحة ما وافق العربية وصح سنده، وخالف الرسم كما ورد في صحيح من زيادة ونقص وإبدال كلمة بأخرى، ونحو ذلك مما جاء عن أبي الدرداء وعمر وابن مسعود وغيرهم، فهذه القراءة تسمى اليوم شاذة؛ لكونها شذت عن رسم المصحف المجمع عليه، وإن كان إسنادها صحيحا فلا تجوز القراءة بها لا في الصلاة، ولا في غيرها. قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتابه "التمهيد": وقد قال مالك: إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصل وراءه، وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك إلا قوما شذوا لا يعرج عليهم. قلت: قال أصحابنا الشافعية وغيرهم: لو قرأ بالشاذ في الصلاة بطلت صلاته إن كان عالما، وإن كان جاهلا تبطل صلاته، ولم تحسب له تحسب له تلك القراءة، واتفق علماء بغداد على تأديب الإمام ابن شنبوذ، واستتابته على قراءته وإقرائه بالشاذ، وحكى الإمام أبو عمر بن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ، وأنه لا يجوز أن يصلي خلف من يقرأ بها. وأما ما وافق المعنى والرسم أو أحدهما من غير نقل، فلا تسمى شاذة بل مكذوبة يكفر متعمدها.
وأجاب الإمامان الحافظ أبو عمرو بن الصلاح وأبو عمرو بن الحاجب عن السؤال الذي ورد دمشق من العجم في حدود الأربعين وستمائة وهو: هل تجوز القراءة بالشاذ أو يجوز أن يقرأ القارئ عشرا كل آية بقراءة ورواية؟ قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: المجتهد المقيد في ذلك العصر ما صورته يشترط أن يكون المقروء به قد تواتر نقله عن
1 / 19
رسول الله ﷺ قرآنا، واستفاض نقله كذلك، وتلقته الأمة بالقبول كهذه القراءات السبع؛ لأن المعتبر في ذلك اليقين والقطع على ما تقرر وتمهد في الأصول، فما لم يوجد فيه ذلك كما عدا السبع أو كما عدا العشر ففمنوع من القراءة به منع تحريم لا منع كراهة في الصلاة وخارج الصلاة، وممنوع منه من عرف المصادر والمعاني ومن لم يعرف ذلك واجب على من قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقوم بواجب ذلك وإنما نقلها من نقلها من العلماء لفوائد فيها تتعلق بعلم العربية لا للقراءة بها هذا طريق من استقام سبيله ثم قال: والقراءة الشاذة ما نقل قرآنا من غير تواتر واستفاضه متلقاة بالقبول من الأمة كما اشتمل عليه المحتسب لابن جني وغيره، وأما القراءة بالمعنى من غير أن ينقل قرآنا، فليس ذلك من القراءات الشاذة أصلاّ، والمجترئ على ذلك مجترئ على عظيم وضال ضلالا بعيدا فيعزر ويمنع بالحبس ونحوه، ولا يخلى ذل ضلالة ولا يحل للمتمكن من ذلك إمهاله، ويجب منع القارئ بالشاذ وتأثيمه بعد تعريفه وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه. وإذا شرع القارئ بقراءة ينبغي أن لا يزال يقرأ بها ما بقى للكلام تعلق بما ابتدأ به، وما خالف هذا ففيه جائز وممتنع وعذر المرض مانع من بيانه بحقه والعلم عند الله تعالى.
وقال الشيخ الإمام شيخ المالكية أبو عمرو بن الحاجب: لا يجوز أن يقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة، ولا غيرها عالما كان بالعربية أو جاهلا، وإذا قرأ بها قارئ، فإن كان جاهلا بالتحريم عرف به، وأمر بتركها، وإن كان عالما أدب بشرطه، وإن أصر على ذلك أدب على إصراره وحبس إلى أن يرتدع عن ذلك. وأما تبديل "آتنا" بـ"أعطنا" و"سولت" بـ"زينت" ونحوه فليس هذا من الشواذ، وهو أشد تحريما والتأديب عليه أبلغ والمنع منه أوجب انتهى.
فإن قيل: كيف يعرف الشاذ من غيره إذ لم يدع أحد الحصر؟ قلت: الكتب المؤلفة في هذا الفن في العشر والثمان وغير ذلك مؤلفوها على قسمين: منهم من اشترط الأشهر واختار ما قطع به عنده فتلقى الناس كتابه بالقبول وأجمعوا عليه من غير معارض كغايتي ابن مهران وأبي العلاء الهمداني، وسبعة ابن مجاهد، وإرشاد أبي العز القلانسي، وتيسير أبي عمرو الداني، وموجز أبي علي الأهوازي، وتبصرة ابن أبي طالب، وكافي ابن شريح، وتلخيص أبي معشر الطبري، وإعلان الصفراوي، وتجريد ابن الفحام، وحرز أبي القاسم الشاطبي وغيرها، فلا إشكال في أن ما تضمنته من
1 / 20
القراءات مقطوع به إلا أحرفا يسيرة يعرفها الحفاظ من الثقات، والأئمة النقاد. ومنهم من ذكر ما وصل إليه من القراءات كسبط الخياط، وأبي معشر في الجامع وأبي القاسم الهذلي وأبي الكرم الشهرزوري وأبي علي المالكي وابن فارس وأبي علي الأهوازي وغيرهم، فهؤلاء وأمثالهم لم يشترطوا شيئا وإنما ذكروا ما وصلهم فيرجع فيها إلى كتاب مقيد أو مقرئ مقلد.
فإن قلت: قد وجدنا في الكتب المشهورة المتلقاة بالقبول تباينا في بعض الأصول والفرش كما في الشاطبية نحو قراءة ابن ذكوان "تَتَّبِعَانَ" [يونس: ٨٩] بتخفيف النون وقراءة هشام "أَفْئيدَةً" [الأنعام: ١١٣] بياء بعد الهمزة وكقراءة قنبل "عَلَى سُوقِهِ" [الفتح: ٢٩] بواو بعد الهمزة، وغير ذلك من التسهيلات، والإمالات التي لا توجد في غيرها من الكتب إلا في كتاب أو اثنين وهذا لا يثبت به تواتر. قلت: هذا وشبهه وإن لم يبلغ مبلغ التواتر صحيح مقطوع به نعتقد أنه من القرآن وأنه من الأحرف السبعة التي نزل القرآن بها، والعدل الضابط إذا انفرد بشيء تحتمله العربية والرسم واستفاض وتلقي بالقبول قطع به وحصل به العلم، وهذا قاله الأئمة في الحديث المتلقي بالقبول أنه يفيد القطع وبحثه الإمام أبو عمرو بن الصلاح في كتابه علوم الحديث وظن أن أحدا لم يسبقه إليه وقد قاله قبله الإمام أبو إسحق الشيرازي في كتابه "اللمع في أصول الفقه" ونقله الإمام الثقة مجتهد عصره أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية عن جماعة من الأئمة منهم القاضي عبد الوهاب المالكي والشيخ أبو حامد الإسفرايني والقاضي أبو الطيب الطبري والشيخ أبو إسحق الشيرازي من الشافعية وابن حامد وأبو يعلى بن الفراء وأبو الخطاب وابن الزغوني وأمثالهم من الحنابلة وشمس الأئمة السرخسي من الحنفي.
قال ابن يتيمة: وهو مذهب أهل الكلام من الأشعرية وغيرهم كأبي إسحق الإسفرايني وابن فورك. قال: وهو مذهب أهل الحديث قاطبة ومذهب السلف عامة. قلت: فثبت من ذلك أن خبر الواحد العدل الضابط إذا حفته قرائن يفيد العلم ونحن ما ندعي التواتر في كل فرد مما انفرد به بعض الرواة أو اختص ببعض الطرق لا يدعي ذلك إلا جاهلا لا يعرف ما التواتر وإنما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين: متواتر وصحيح مستفاض متلقى بالقبول والقطع حاصل بهما.
وأما ما قاله الإمام أبو حيان، واستشكله حيث قال؛ وعلى ما ذكره هؤلاء من المتأخرين من تحريم القراءة الشاذة يكون عالم من الصحابة والناس من بعدهم إلى
1 / 21
زماننا قد ارتكبوا محرما فيسقط بذلك الاحتجاج بخبر من يرتكب المحرم دائما، وهم نقلة الشريعة فيسقط ما نقلوه فيفسد على قول هؤلاء نظام الإسلام والعياذ بالله تعالى من ذلك قال: ويلزم أيضا أن الذي قرءوا بالشواذ لم يصلوا قط لأن الواجب لا يتأدى بفعل المحرم قال: وقد كان قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن علي -يعني ابن دقيق العيد. يستشكل هذه المسألة، ويستصعب الكلام فيها، وكان يقول؛ هذه الشواذ نقلت نقل آحاد عن رسول الله ﷺ فيعلم ضرورة أن رسول الله ﷺ قرأ بشاذ منها، وإن لم يعين كما أن حاتما نقلت عنه أخبار في الجود كلها آحاد ولكن حصل من مجموعها الحكم بسخائه وإن لم يتعين ما تسخى به، وإذا كان كذلك فقد تواترت قراءة رسول الله ﷺ بالشاذ، وإن لم يتعين بالشخص فكيف يسمى شاذًا والشاذ لا يكون متواترًا؟
قلت: فهذه ونحوها مباحث لا طائل تحتها إذ القول في القراءات الشاذة كالقول في الأحاديث الضعيفة المنقولة في كتب الأئمة، وغيرهم يعلم في الجملة أن النبي ﷺ قال شيئا منها، وإن لم نعرف عينه، فلا يقال لها ضعيفة على ما بحثناه، وأيضا فنحن نقطع بأن كثيرا من الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقرءون بما خالف رسم المصحف العثماني قبل الإجماع عليه من زيادة كلمة وأكثر وإبدال أخرى بأخرى ونقص بعض الكلمات كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ونحن اليوم نمنع من يقرأ بها في الصلاة وغيرها منع تحريم لا منع كراهة، ولا إشكال في ذلك، ومن نظر أقوال الأولين علم حقيقة الأمر وذلك أن المصاحف العثمانية لم تكن محتوية على جميع الأحرف السبعة التي أبيحت بها قراءة القرآن كما قال جماعة من أهل الكلام وغيرهم بناء منهم على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة، وعلى قول هؤلاء لا يجيء ما استشكله ابن دقيق العيد، وبحثه أبو حيان وغيرهما لأننا إذا قلنا إن المصاحف العثمانية محتوية على جميع الأحرف السبعة التي أنزلها الله تعالى كان ما خالف الرسم يقطع بأنه ليس من الأحرف السبعة، وهذا قول محظور لأن كثيرا مما خالف الرسم قد صح عن الصحابة ﵃، وعن النبي ﷺ.
والحق ما تحرر من كلام الإمام محمد بن جرير الطبري وأبي عمر بن عبد البر وأبي العباس المهدوي ومكي بن أبي طالب القيسي وأبي القاسم الشاطبي وابن يتمية وغيرهم، وذلك أن المصاحف التي كتبت في زمن أبي بكر ﵁ كانت محتوية على جميع الأحرف السبعة، فلما كثر الاختلاف، وكاد المسلمون يكفر بعضهم بعضا
1 / 22