Munadama
منادمة الأطلال ومسامرة الخيال
Baare
زهير الشاويش
Daabacaha
المكتب الإسلامي
Lambarka Daabacaadda
ط٢
Sanadka Daabacaadda
١٩٨٥م
Goobta Daabacaadda
بيروت
تَعَالَى ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ آيَة ٢٠ / ٥ اسْتِوَاء يَلِيق بِذَاتِهِ تَعَالَى لَا نعلم حَقِيقَته لانا إِذا فسرناه بقولنَا استولى نَكُون أَخْطَأنَا لَان من استولى على شَيْء لابد وان يكون خَارِجا عَن يَده قبل استيلائه عَلَيْهِ كَمَا يُشِير إِلَيْهِ قَول الشَّاعِر
(قد اسْتَوَى بشر على الْعرَاق ... من غير سيف أَو دم مهراق)
وَمَعْنَاهُ أَن بشرا استولى على الْعرَاق واستخلصها من يَد غَيره بِدُونِ سل سيف أَو إِرَاقَة دم وَتَعَالَى الله عَن إِن يكون استولى على ملكه بِهَذِهِ الصّفة وَمثله يُقَال فِي السَّمِيع والبصير وأشباههما إِن الله اثْبتْ لنَفسِهِ صفة السّمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام واخبرنا فِي كِتَابه الْعَزِيز بِأَنَّهُ متصف بذلك ولكننا لَا نعلم حَقِيقَة تِلْكَ الصِّفَات وَلَيْسَ يجب علينا إِلَّا أَن نؤمن بهَا ونترك علمهَا إِلَى المتصف بهَا
أَنْت إِذا شاركت جَمِيع عُلَمَاء التشريح فِي الْبَحْث عَن حَقِيقَة السّمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام فِي الْمَخْلُوق تعرف كَيفَ تركبت أَعْضَاء هَذِه الْحَواس وَمَا يطْرَأ عَلَيْهَا من الْعِلَل وَلَكِنَّك لَا تعلم حَقِيقَتهَا وَلَو أفنيت الأعوام وشاركك أهل البسيطة فَكيف تعلم حَقِيقَة صِفَات من يجل عَن التَّشْبِيه والمثال
اخْتلف أساطين الْعلمَاء من قبلك فِي صفة الْكَلَام فَقَالَ قوم أَن الْكَلَام لَا يكون إِلَّا من لِسَان وفم ومخارج فنفوا الْكَلَام اللَّفْظِيّ واثبتوا الْكَلَام النَّفْسِيّ هربا من إِثْبَات مَا هُوَ من صِفَات المخلوقين فورد عَلَيْهِم أَن الْكَلَام النَّفْسِيّ يحْتَاج إِلَى أَعْضَاء يقوم بهَا وَتَكون محلا لتصوراته فَلم يفدهم الْهَرَب شَيْئا وَقَالَ قوم أَن الله لما كلم مُوسَى ﵇ خلق كَلَامه فِي الشَّجَرَة فَهِيَ الَّتِي خاطبته وكلمته وَهَؤُلَاء لم يفهموا معنى قَوْله تَعَالَى ﴿وكلم الله مُوسَى تكليما﴾ آيَة ٤ / ١٦٣ فأكد كلامهبالمصدر فصاحوا بمقالتهم علنا مكذبين الله تَعَالَى وَذهب قوم إِلَى أَن الله يتَكَلَّم بلسانذ تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَالْقُرْآن الْعَظِيم يكذبهم ثمَّ لما طَال الْأَمر أذن الله بتكذيبهم حسا لَعَلَّهُم يتدبرون آيَاته فأظهر على يَد رجل إفرنجي الْآلَة المتكلمة الْمُسَمَّاة بالإفرنجية بالفونغراف وَجعلهَا تَتَكَلَّم بِدُونِ لِسَان وَلَا جوارح أَفلا يكون الْخَالِق متكلما على صفة لَا نعلم حَقِيقَتهَا وَلَا ندر مَا صفتهَا قل لأولئك المشاغبين بينوا لنا فلسفة الفونغراف وَكَيف أَن الْأَصْوَات التصقت بذلك الشَّيْء الشبيه بالورق ثمَّ أُعِيدَت كَمَا هِيَ ثمَّ تكلمُوا بعد بِبَيَان حَقِيقَة صِفَات الْخَالِق أَن قدرتم والا فَارْجِعُوا إِلَى أَنفسكُم وصرحوا بِالْعَجزِ عَن إِدْرَاك أسرار الربوبية واتركوا الْعلم بذلك للعليم الْخَبِير مهما فكر العَبْد فِي آيَات الصِّفَات لَا يقدر إِلَّا أَن يَقُول
1 / 101