فأجابه ابن عمار بفتور وطوى رقعة الشطرنج وأمر أن تحمل إلى خيمته وقال: «شأنك أيها الملك وما تريد، أنا لا ألعب إلا على هذا الشرط.» وانفصل الاثنان دون اتفاق ولم يدرك ابن عمار الملل، ولم يحل اليأس بينه وبين الوصول إلى إتمام هذه الحيلة السياسية، فقد عمد إلى بعض نبلاء القشتاليين، وأسر إليهم بأنه إذا ربح الدور لا يطلب مستحيلا، ووعدهم بمبالغ طائلة إذا هونوا على الأذفونش الأمر، وكانوا في عونه، فاستهوتهم هذه الوعود البراقة، وخلب ألبابهم بريق الذهب، واستوثقوا من الوزير المسلم، وقطعوا على أنفسهم عهدا بأن يكونوا في صفه، وكان الأذفونش شديد الميل إلى اللعب لثقته من نفسه يتحرق رغبة في الحصول على الشطرنج، فحسنوا له أن يلعب معه، وقالوا له: ماذا عسى أن يطلب هذا مهما اشتط في الطلب؟! وأنت ملك ملوك النصارى فلا ينبغي أن تظهر أمام هؤلاء بمظهر العجز، ومتى غلبته وفزت عليه ظفرت بشطرنج يحسدك عليه الملوك، وهب أنك خسرت واشتط في الطلب فإنا نرده إلى صوابه.
وما زالوا به حتى اقتنع بما أشاروا به عليه، فبعث إلى ابن عمار يبلغه أنه على استعداد لملاعبته، ولما حضر قال له: «قد قبلت شرطك فهيا نلعب»، فقال: حسن،
فلان وفلان لرجال سماهم من نبلاء القشتاليين، ليكونوا بمثابة شهود على اللعب، فقبل الملك وأخذا يلعبان إلى أن انتهى الدور بغلب ابن عمار غلبا ظاهرا لا مطعن فيه لأحد، فالتفت ابن عمار إلى الملك وقال: «الآن لي أن أطلب حسب الشرط ما أريد.»
فأجابه الملك: «بلا شك، فماذا تطلب؟» قال: «أطلب أن تعود إلى مملكتك، وتكف عن القتال.»
فهاج هائج الأذفونش وأخذ يذهب ويجيء في خيمته، وهو يخطو خطوات واسعة، ثم جلس، ثم نهض قائما، وهو في أشد حالات الهياج والقلق، ثم قال لجماعة النبلاء من القشتاليين الذين غرروا به: «ها أنا ذا قد وقعت في الشرك، وأنتم كنتم السبب، وهذا أخوف ما كنت أخافه من طلبات هذا الرجل، لولا أنكم طمأنتموني، وأنا الآن أجني ثمرة مشورتكم الممقوتة.»
وبعد صمت دام لحظات قال: «وما الذي يعنيني من شرط التزمت به لهذا الرجل، أنا لا أحفل بأمر مثل هذا البتة، وسأواصل زحفي.»
فقال القشتاليون: «إن في هذا رجوعا عما قطعته من العهد على نفسك، ومساسا بالشرف، وهل تحب أن يتحدث الناس عنك - وأنت ملك ملوك النصارى - أنك نقضت عهدك، ورجعت في قولك؟»
وبعد لأي هدأت ثائرة الأذفونش وسمحت نفسه في النهاية أن يقول لهم: «سأفي بمضمون الشرط، وأنجز ما وعدت به، ولكني لا أرجع بجنودي إلا بعد أن آخذ الجزية عن هذا العام مرتين.»
فقال ابن عمار: «سيكون أيها الملك ما تريد.»
وبادر ابن عمار فحمل إليه مبلغ الجزيتين، وهكذا نجى الله المسلمين من الخوف بتدبير هذا الوزير الكبير ومهارته.
Bog aan la aqoon