ونزل في اللحظة نفسها إلى فناء القصر، وأمر بإحضار مقدار عظيم من المسك والعنبر وبعض الأعطار، ووضع ذلك كله في معجن، وأمر أن يمزج بماء الورد، ويداف ويسحق، إلى أن صارت منه عجينة في حجم تلك التي كانت في معجن النسوة اللاتي كن يضربن اللبن، ولما تهيأ له كل ما أراد من ذلك صعد إلى اعتماد وقال لها: «لتتفضلي بالنزول إلى فناء القصر، أنت وجواريك، فإن معجن الطين في انتظارك.»
فنزلت الأميرة إلى ساحة القصر، وخلعت هي وجواريها نعالهن، وصرن يعجن بأقدامهن ذلك الطين المسكي المدوف وهن في مرح وسرور.
ومما لا ريب فيه أن تحقيق هذه الرغبة قد كلف المعتمد ثمنا باهظا وأموالا طائلة، وقد كان في استطاعته أن يغضي عن هذه الحادثة، لولا أن زوجته لا تنتهي أهواؤها وميولها عند حد، ولا ترضى بغير تنفيذ رغباتها، وقد حدث ذات يوم أن طلبت شيئا لم يكن في استطاعة الملك تنفيذه، فغضبت، وصاحت قائلة: «آه! إني جديرة بكل شفقة ورحمة، وإنني بلا ريب أتعس النساء حظا، ويشهد الله أنك لم تفعل معي البتة أي شيء فيه إرضائي.»
فقال لها بصوت فيه معنى الحب والرقة والعذوبة: «ولا يوم الطين؟»
فعلت وجنتيها حمرة الخجل ولم تحر جوابا.
وأراني مضطرا أن أضيف إلى ما أسلفت أن رجال الدين كانوا يمقتون اسم هذه الأميرة النزقة السريعة الحركة، ولا يجرونه على ألسنتهم إلا مصحوبا باشمئزاز وكره ديني، وكانوا يعدونها الحائل الوحيد الذي يحول بين الصلاح والهداية وبين زوجها، والعامل الفذ الذي يدفعه بدون انقطاع وراء عاصفة من السرور واللذات تكاد تطوح بالمملكة، وكانوا كلما رأوا المساجد خالية من المصلين يوم الجمعة، ألقوا التبعة على لهو المعتمد وفتنته بها، وكانت اعتماد بحكم صباها الطائش، وشبابها النزق، تسخر من صيحة أولئك الشيوخ، ولا تكترث لجلبتهم، وما كانت تقدر في روعها أن أولئك الفقهاء سيصبحون رهيبين يوما ما.
ولم يكن حب المعتمد لها ليشغله عن صديقه ابن عمار الذي حل من قلبه محلا كبيرا.
واتفق مرة أن نأى عنها، وانصرف للتنزه مع صديقه كالمعتاد، فحداه الشوق أن يرسل إليها رسالة ضمنها الأبيات الستة الآتية:
أغائبة الشخص عن ناظري
وحاضرة في صميم الفؤاد
Bog aan la aqoon