ولا جرم كانت هاتان المملكتان في نزاع دائم، سببه الرغبة والطمع في تملك آسيا الغربية، وكانتا - في ظاهرهما - مزدهرتين، تجبى لهما الضرائب والخراج فتمتلئ الخزائن بالمال، وتتضخم ثروة الحكام، حتى أصبح الترف والأبهة - اللذان انغمس فيهما سكان العواصم - مضرب الأمثال.
على أن كل ذلك لم يكن إلا مظهرا كاذبا، فقد كان يسري في كيان هاتين المملكتين داء كمين، وظل السوس ينخر في عظامهما دائبا على تقويض أركانهما بسبب ما أظهرتاه من عسف وجور مهلكين، هذا إلى ما حدث من الفواجع التي نجمت من تلك الأسرات، وما لعبته من الأدوار المفجعة التي كانت - على الحقيقة - سلسلة متصلة الحلقات من الاضطهادات والفتن الدينية الشعواء.
وثم رأينا شعبا يظهر فجأة من بين تلك الصحراء التي لا يكاد يعرفها أحد، شعبا جديدا بدأ يمثل دوره على مسرح الحياة، بعد أن ظل نهبا مقسما، تناوئ كل قبيلة منه القبيلة الأخرى، فيحتدم النزاع وتقع الحرب الطاحنة ، ها قد رأيناه يتحد ويجمع شمله الشتيت للمرة الأولى.
ذلكم هو الشعب الناهض الذي تملك نفسه حب الحرية وساعدته على النجاح صفاته النبيلة، فقد كان متقشفا في طعامه، مخشوشنا في لباسه، نبيلا في أخلاقه، كما كان طروبا سريع البديهة حاضر النكتة.
ولقد كان شريف النفس أريحيا، فإذا استثرته مرة فهو قاس غضوب شرس
1
لا يني عن أخذ ثأره، ولا يرده عن انتقامه شيء.
ذلكم هو الشعب الذي قلب - في لحظة واحدة - إمبراطورية الفرس بعد أن ظل السوس ينخر في عظامها قرونا عدة، وانتزع من خلفاء «قسطنطين» أجمل ضواحيهم، ثم سحق مملكة جرمانية حديثة العهد تحت قدميه، وشرع يهدد - بعد ذلك - بقية أوروبا.
بينما كان في ذلك الوقت نفسه يوالي فتوحه وانتصاره في الجانب الآخر من المعمورة حتى وصلت جيوشه الظافرة إلى الهملايا.
لم يكن ذلك الشعب فاتحا فحسب - كغيره من الشعوب الأخرى - بل كان داعيا إلى دين جديد ومبشرا به أيضا، كان داعيا إلى دين جديد، فقام يناوئ الثنوية
Bog aan la aqoon