( 2 ): قد ذكروا فيما ذكروه من أسباب الهزيمة أن محمد بن العباس الأشعث قائد الحملة العباسية بعد أن هزمه أبو الخطاب تظاهر بأن الهزيمة كانت ساحقة وأنه من العبث أن يعيد الكرة على أبي الخطاب وأنصاره فابتعد عن مكان الواقعة بمراحل عديدة ، وفي الوقت نفسه خلف عيونا ترعى حركات جيوش أبي الخطاب التي يقال أنها تفرقت لحصاد الزرع واستبعادا لرجوع أبي الأشعث وجنوده ، وقد حذر أبو الخطاب أصحابه من سوء عاقبة التخاذل والأمن من مكر أبي الأشعث ولكنهم أبوا من قبول رأيه حرصا على جمع حبوبهم . فصح ما تنبأ به إذ عاد حالا ابن الأشعث بجيوشه مغتنما فرصة تفرق أتباع أبي الخطاب طاويا مراحل كثيرة في يوم أو يومين ففاجأ الخطابيين على غير استعداد منهم واشتبك معهم في تاورغا . واقتتلوا قتالا شديدا دام أياما عديدة انتهى بهزيمة أبي الخطاب وحضور أجله وأجل اثني عشر ألفا من أصحابه في هذه الواقعة السيئة العواقب عليه وعلى غيره إذ انتشر الذعر في الولايات التي يحكمها واضطرب جبل الأمن فيها جميعا ، وواصل محمد بن الأشعث الزحف على البلاد طولا وعرضا حتى وصل العاصمة الكبرى ( القيروان ) فتنحى عنها عامل أبي الخطاب عبد الرحمن بن رستم عليها وعلى ما حولها إلى الحدود الطرابلسية فارا بنفسه إلى المغرب الأوسط حيث أسس به الدولة الرستمية الأباضية واتخذ تيهرت قاعدة لها ومن بعده تولاها أبناؤه بالنتخاب الشرعي واستبحرت في العمران والمدنية إلى حد كبير كما سيأتي الحديث عنها .
Bogga 89