خلافة أبي بكر رضي الله عنه ثم خلفه الصديق على الأثر بانتخاب المسلمين إياه بعد خلاف بسيط . وكان للصديق اليد الكبرى في تثبيت الناس وإقرارهم على الحالة الطبيعية . حال موت الرسول عليه الصلاة والسلام وذلك حين كثر بينهم القيل والقال فمن مصدق بموته ومن مكذب ، حتى هاج الناس وماجوا من هول ما أصابهم ومن شدة الهلع الذي استولى على قلوبهم ، فما نطق أبو بكر بقول الله تعالى : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) حتى شعر الناس بروح جديدة تسربت إلى نفوسهم ، وسلوى انسابت إلى أفئدتهم ، فكأنهم قبل ذلك لا يدرون أنها آية تتلى من فرط ما أصابهم من الفزع والذهول . ولا غرابة فقوة إيمان أبي بكر ويقينه لا مطمع فيهما لغيره وقد قال فيه النبي عليه السلام : " لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجحه " وفضائله كثيرة لا تحصى ، وإليه وحده يرجع الفضل في حمل الأمة على حرب المرتدين الذين حدثتهم نفوسهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بالتملص من الأوامر الشرعية والامتناع من تنفيذها ، ولولاه لخارت قوى المسلمين وعظم خطر المرتدين والمتنبئين واشتد بلاؤهم وطمع في المسلمين كل طامع ، بل ربما انهار كل ما شيده الرسول عليه السلام ، فأبو بكر على قصر مدته هو الذي ثبت دعائم الدولة الإسلامية ووطد أركانها نهائيا ، وما أجمل وأوقع في النفوس خطبته رضي الله عنه التي استهل بها خلافته فكانت دستورا لعهده الميمون . وإليك نصها " أيها الناس ، إني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني وإن صدفت فقوموني . الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله . لا يدع أحد منكم الجهاد ،فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل . وأطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم " ا ه .
Bogga 16