Soo Koobid Tafsiirka Ibn Kathir
مختصر تفسير ابن كثير
Daabacaha
دار القرآن الكريم
Lambarka Daabacaadda
السابعة
Sanadka Daabacaadda
1402 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
Fasiraadda
- ١٨٣ - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
- ١٨٤ - أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تعلمون
يخاطب تعالى المؤمنين من هذه الأُمة، آمرًا إياهم بِالصِّيَامِ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْوِقَاعِ، بِنِيَّةٍ خالصةٍ لِلَّهِ ﷿، لِمَا فِيهِ من زكاة النفوس وَطَهَارَتِهَا، وَتَنْقِيَتِهَا مِنَ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ وَالْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ فَقَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، فَلَهُمْ فِيهِ أُسْوَةٌ، وَلِيَجْتَهِدَ هَؤُلَاءِ فِي أَدَاءِ هَذَا الْفَرْضِ أَكْمَلَ مما فعله أولئك كما قال تعالى: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾، ولهذا قال ههنا: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ تَزْكِيَةٌ لِلْبَدَنِ، وَتَضْيِيقٌ لِمَسَالِكِ الشَّيْطَانِ، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ .. وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»، ثُمَّ بيَّن مِقْدَارَ الصَّوْمِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ يَوْمٍ، لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَى النُّفُوسِ، فَتَضْعُفَ عَنْ حَمْلِهِ وَأَدَائِهِ، بَلْ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، يَصُومُونَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الصِّيَامَ كَانَ أَوَّلًا كَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأُمَمُ قَبْلَنَا، مِنْ كُلِّ شهر ثلاثة أيام ولم يَزَلْ هَذَا مَشْرُوعًا مِنْ زَمَانِ نُوحٍ، إِلَى أَنْ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وقال الحسن البصري: لَقَدْ كُتِبَ الصِّيَامُ عَلَى كُلِّ آُمّة قَدْ خَلَتْ كَمَا كُتِبَ عَلَيْنَا، شَهْرًا كَامِلًا وَأَيَّامًا معدودات عددًا معلومًا. وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «صِيَامُ رَمَضَانَ كتبه الله عليَّ الأمم قبلكم» (رواه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر مرفوعًا).
وقال عطاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ يعني بذلك أهل الكتاب، ثُمَّ بيَّن حُكْمَ الصِّيَامِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ أَيِ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ لَا يَصُومَانِ فِي حَالِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمَا، بَلْ يُفْطِرَانِ وَيَقْضِيَانِ بِعِدَّةِ ذَلِكَ مِنْ أَيَّامٍ أُخر، وَأَمَّا الصَّحِيحُ الْمُقِيمُ الذِي يُطِيقُ الصِّيَامَ، فَقَدْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الصِّيَامِ وَبَيْنَ الْإِطْعَامِ، إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، فَإِنْ أَطْعَمَ أَكْثَرَ مِنْ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ فَهُوَ خَيْرٌ، وَإِنْ صَامَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِطْعَامِ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عباس، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ ⦗١٥٩⦘ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تعلمون﴾.
رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَصَامَ عَاشُورَاءَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ الصِّيَامَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِينًا فَأَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ ﷿ أَنْزَلَ الْآيَةَ الأُخرى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ فَأَثْبَتَ اللَّهُ صِيَامَهُ عَلَى الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ، ورخَّص فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَثَبَتَ الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام، وَكَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ يَنَامُوا فَإِذَا نَامُوا امْتَنَعُوا، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ (صِرْمَةُ) كَانَ يَعْمَلُ صائمًا، حتى أمسى فجاء إلى أهل فصلَّى العِشاء ثُمَّ نَامَ، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى أَصْبَحَ، ⦗١٦٠⦘ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ جَهِدَ جهدًا شديدًا، فقال: «مالي أَرَاكَ قَدْ جَهِدْتَ جَهْدًا شَدِيدًا؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَمِلْتُ أَمْسِ، فَجِئْتُ حِينَ جِئْتُ فَأَلْقَيْتُ نَفْسِي فَنِمْتُ، فَأَصْبَحْتُ حِينَ أَصْبَحْتُ صائمًا، قال: وكان عم قَدْ أَصَابَ مِنَ النِّسَاءِ بَعْدَ مَا نَامَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ له ذلك فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ - إِلَى قَوْلِهِ - ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل﴾ (أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم)
وروى الْبُخَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ يَفْتَدِي حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ التِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ، وَقَالَ السُّدي: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وأطعم مسكينًا فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْهَا: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشهر فليصمه﴾ وقال ابن عباس: ليست منسوخة، هو الشيخ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا (أخرجه البخاري عن عطاء عن ابن عباس) وعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ ثُمَّ ضَعُفَ، فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مسكينًا، وعن ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى (عَطَاءٍ) فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عباس: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَنَسَخَتِ الْأُولَى، إِلَّا الْكَبِيرَ الْفَانِيَ إِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مسكينا وأفطر (أخرجه ابن مردويه عن ابن أبي ليلى)
فَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ النَّسْخَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ، بِإِيجَابِ الصِّيَامِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الْهَرِمُ الذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ، فَلَهُ أَنْ يفطر ولا قضاء عليه، لأنه ليس له حال يصير إليه يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنَ الْقَضَاءِ، وَلَكِنْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا أَفْطَرَ أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا إِذَا كَانَ ذَا جِدَةٍ؟ فِيهِ قولان، أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِطْعَامٌ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ عَنْهُ لِسِنِّهِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ كَالصَّبِيِّ، لِأَنَّ اللَّهَ لاَ يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ عن كل يوم، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ، فَقَدْ أَطْعَمَ أنَسٌ بعد ما كبر عامًا أو عامين، عن كل يوم مسكينًا خبزًا ولحمًا وأفطر، ومما يلتحق بهذا المعنى (الحامل) و(المرضع) إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا، فَفِيهِمَا خِلَافٌ كَثِيرٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُفْطِرَانِ وَيَفْدِيَانِ وَيَقْضِيَانِ، وَقِيلَ: يَفْدِيَانِ فَقَطْ وَلَا قَضَاءَ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ، وَقِيلَ: يفطران ولا فدية ولا قضاء.
1 / 158