Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil
مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل
Daabacaha
دار السلام للنشر والتوزيع
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٦هـ
Goobta Daabacaadda
الرياض
Noocyada
فِتْنَتُهُمْ فِي تِلْكَ الْعَشَرَةِ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُونَ وَلَمْ يَرْجِعْ مُوسَى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَرَأَوُا العجل وسمعوا قول السامري، فعكف ثَمَانِيَةُ آلَافِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى الْعِجْلِ يَعْبُدُونَهُ، وَقِيلَ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ مَعَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ وَهَذَا أَصَحُّ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ وَحْدَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ [البقرة: ٥١] أي: إلهًا ﴿مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ [البقرة: ٥١] ضَارُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ بِالْمَعْصِيَةِ وَاضِعُونَ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.
[٥٢] ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ﴾ [البقرة: ٥٢] مَحَوْنَا ذُنُوبَكُمْ ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٥٢] من بَعْدِ عِبَادَتِكُمُ الْعِجْلَ، ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٢] لِكَيْ تَشْكُرُوا عَفْوِي عَنْكُمْ وَصَنِيعِي إِلَيْكُمْ، قِيلَ: الشُّكْرُ هُوَ الطَّاعَةُ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وقال الحسن: شكر النعمة ذكرها.
قَوْلُهُ تَعَالَى:
[٥٣] ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ٥٣] يعني التوراة، ﴿وَالْفُرْقَانَ﴾ [البقرة: ٥٣] قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التَّوْرَاةُ أَيْضًا ذكرها باسمين، قال الْكِسَائِيُّ: الْفُرْقَانُ نَعْتُ الْكِتَابِ، وَالْوَاوُ زائدة، يعني الكتاب الفرقان، أي: الْمُفَرِّقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَقَالَ يمان بن ريان: أَرَادَ بِالْفُرْقَانِ انْفِرَاقَ الْبَحْرِ كَمَا قَالَ: ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ٥٠] ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ٥٣] بِالتَّوْرَاةِ.
[٥٤] ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ [البقرة: ٥٤] الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ ﴿يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] ضررتم بأنفسكم: ﴿بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ [البقرة: ٥٤] إِلَهًا قَالُوا: فَأَيُّ شَيْءٍ نَصْنَعُ؟ قال: ﴿فَتُوبُوا﴾ [البقرة: ٥٤] فارجعوا ﴿إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] خَالِقِكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَتُوبُ؟ قَالَ: ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] يَعْنِي: لِيَقْتُلِ الْبَرِيءُ مِنْكُمُ الْمُجْرِمَ، ﴿ذَلِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] أَيِ: الْقَتْلُ، ﴿خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] فَلَمَّا أَمَرَهُمْ مُوسَى بِالْقَتْلِ، قَالُوا: نَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ فَجَلَسُوا بِالْأَفْنِيَةِ محتبين، وقيل لهم: من حل حَبَوْتَهُ أَوْ مَدَّ طَرْفَهُ إِلَى قَاتِلِهِ أَوِ اتَّقَاهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ مَلْعُونٌ مَرْدُودَةٌ تَوْبَتُهُ، وأصلت القوم عليهم الخناجر، وكان الرَّجُلُ يَرَى ابْنَهُ وَأَبَاهُ وَأَخَاهُ وَقَرِيبَهُ وَصَدِيقَهُ وَجَارَهُ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْمُضِيُّ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا: يَا مُوسَى كَيْفَ نَفْعَلُ؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ ضَبَابَةً وَسَحَابَةً سَوْدَاءَ لَا يُبْصِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَكَانُوا يَقْتُلُونَهُمْ إِلَى الْمَسَاءِ فَلَمَّا كَثُرَ الْقَتْلُ دَعَا مُوسَى وَهَارُونُ ﵉ وَبَكَيَا وَتَضَرَّعَا وَقَالَا: يَا رَبُّ هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، الْبَقِيَّةَ الْبَقِيَّةَ، فَكَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى السَّحَابَةَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ القتل، فكشف عن ألوف من القتلى فَكَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ شَهِيدًا ومن بقي مكفر عَنْهُ ذُنُوبُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] أَيْ: فَفَعَلْتُمْ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ، ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ﴾ [البقرة: ٥٤] القابل للتوبة، ﴿الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ٥٤] بهم.
[٥٥]، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: ٥٥] وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى ﵇ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي نَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، فَاخْتَارَ مُوسَى سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ قومه من خيارهم فقالوا لموسى: اطلب لنا أن نسمع كلام ربنا، فقال: أفعل، وَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُكَلِّمُ مُوسَى يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ، وَأَسْمَعَهُمُ اللَّهُ أَنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، فلما فرغ موسى أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً مُعَايَنَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ الْعِلْمَ بِالْقَلْبِ رُؤْيَةً، فَقَالَ: جَهْرَةً لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ العيان، ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ [البقرة: ٥٥] أَيِ: الْمَوْتُ، وَقِيلَ: نَارٌ جَاءَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتْهُمْ، ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٥] أي: ينظر بعضكم لبعض حِينِ أَخَذَكُمُ الْمَوْتُ، وَقِيلَ: تَعْلَمُونَ، وَالنَّظَرُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، فَلَمَّا هَلَكُوا جَعَلَ مُوسَى يَبْكِي وَيَتَضَرَّعُ وَيَقُولُ: مَاذَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إذا أتيتهم وقد هلك خِيَارَهُمْ؟ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ، أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهاء منا، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُ رَبَّهُ حَتَّى أحياهم الله تعالى رجلًا رجلًا، بعدما مَاتُوا يَوْمًا
1 / 30