117

Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

Daabacaha

دار السلام للنشر والتوزيع

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤١٦هـ

Goobta Daabacaadda

الرياض

Noocyada

وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ ﵃، وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَقْرَبُهُنَّ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، يَعْنِي: أَنَّهُ يَحْصُرُ نفسه عن الشهوات، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، هُوَ العنين الذي لا ماء لَهُ فَيَكُونُ الْحَصُورُ بِمَعْنَى الْمَحْصُورِ، يَعْنِي: الْمَمْنُوعَ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ لَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، وَقَدْ تَزَوَّجَ مَعَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَغَضَّ لِبَصَرِهِ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: إِنَّ الْحَصُورَ الْمُمْتَنِعُ مِنَ الْوَطْءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ قَوْمٌ هَذَا الْقَوْلَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ مَخْرَجَ الثَّنَاءِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى اسْتِحْقَاقِ الثَّنَاءِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ أَبْعَدُ من إلحاق الآفة بالأنبياء.
[٤٠] قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ﴾ [آل عمران: ٤٠] أَيْ: يَا سَيِّدِي، قَالَ لِجِبْرِيلَ ﵇، هَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَقِيلَ: قَالَهُ لِلَّهِ ﷿: ﴿أَنَّى يَكُونُ﴾ [آل عمران: ٤٠] يعني: أين يكون، ﴿لِي غُلَامٌ﴾ [آل عمران: ٤٠] أي: أين ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾ [آل عمران: ٤٠] هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ، أَيْ: وَقَدْ بلغت الكبر وشخت، كما تقول: بَلَغَنِي الْجَهْدُ، أَيْ: أَنَا فِي الْجَهْدِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَقَدْ نَالَنِيَ الْكِبَرُ وَأَدْرَكَنِي وَأَضْعَفَنِي، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ زَكَرِيَّا يَوْمَ بُشِّرَ بِالْوَلَدِ ابن اثنتين وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: ابْنُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: كَانَ ابْنَ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ بِنْتَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ [آل عمران: ٤٠] أي: عقيم لا تلد، ويقال: رَجُلٌ عَاقِرٌ وَامْرَأَةٌ عَاقِرٌ، وَقَدْ عَقُرَ بِضَمِّ الْقَافِ يَعْقِرُ عُقْرًا وَعُقَارَةً، ﴿قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٤٠]
[٤١] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ [آل عمران: ٤١] أَيْ: عَلَامَةً أَعْلَمُ بِهَا وَقْتَ حَمْلِ امْرَأَتِي فَأَزِيدُ فِي الْعِبَادَةِ شُكْرًا لَكَ، ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ﴾ [آل عمران: ٤١] أي: تَكُفَّ عَنِ الْكَلَامِ، ﴿ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾ [آل عمران: ٤١] وَتُقْبِلَ بِكُلِّيَّتِكَ عَلَى عِبَادَتِي لَا أنه يحبس لِسَانَهُ عَنِ الْكَلَامِ، وَلَكِنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْكَلَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ سَوِيٌّ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] يدل على قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [آل عمران: ٤١] فَأَمَرَهُ بِالذِّكْرِ وَنَهَاهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: عَقَلَ لِسَانَهُ عَنِ الْكَلَامِ مَعَ النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمْسَكَ لسانه عن الكلام عقوبة لِسُؤَالِهِ الْآيَةَ، بَعْدَ مُشَافَهَةِ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا رَمْزًا﴾ [آل عمران: ٤١] أَيْ: إِشَارَةً وَالْإِشَارَةُ قَدْ تَكُونُ باللسان وبالعين واليد، وكانت إشارته بالأصبع المسبحة، قال الْفَرَّاءُ: قَدْ يَكُونُ الرَّمْزُ بِاللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ، وَهُوَ الصوت الخفي شبه الْهَمْسَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: أَرَادَ بِهِ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَامُوا لَمْ يَتَكَلَّمُوا إِلَّا رَمْزًا، ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [آل عمران: ٤١] قِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ: الصَّلَاةُ وَالْعَشِيُّ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غروب الشمس، ومنه سميت صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ، وَالْإِبْكَارُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى الضُّحَى.
[٤٢] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ﴾ [آل عمران: ٤٢] يَعْنِي: جِبْرِيلَ، ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ﴾ [آل عمران: ٤٢] اختارك ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ [آل عمران: ٤٢] قِيلَ: مِنْ مَسِيسِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَتْ مَرْيَمُ لَا تَحِيضُ، وَقِيلَ: مِنَ الذُّنُوبِ، ﴿وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٤٢] قِيلَ: عَلَى عَالَمِي زَمَانِهَا، وَقِيلَ: عَلَى جَمِيعِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فِي أَنَّهَا وَلَدَتْ بِلَا أَبٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ وَقِيلَ: بِالتَّحْرِيرِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ تحرر أنثى.
[٤٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾ [آل عمران: ٤٣] قَالَتْ لَهَا الْمَلَائِكَةُ شَفَاهًا أَيْ: أَطِيعِي رَبَّكِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَطِيلِي الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ لِرَبِّكِ، وَالْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ، وَقِيلَ: الْقُنُوتُ طُولُ الْقِيَامِ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَمَّا قَالَتْ لَهَا الْمَلَائِكَةُ ذَلِكَ قَامَتْ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى وَرِمَتْ قَدَمَاهَا وَسَالَتْ دَمًا وقيحا ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي﴾ [آل عمران: ٤٣] قِيلَ: إِنَّمَا قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى

1 / 125