فلما أسلم الأنصار: أمر رسول الله ﷺ من كان بمكة من المسلمين بالهجرة إلى المدينة. فهاجروا إليها. وأعزهم الله تعالى بعد تلك الذلة. فهو قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ﴾ [الأنفال: ٢٦] (١) الآية.
[بعض فوائد الهجرة]
وفوائد الهجرة والمسائل التي فيها كثيرة، لكن نذكر منها مسألة واحدة. وهي:
أن ناسا من المسلمين لم يهاجروا، كراهة مفارقة الأهل والوطن والأقارب، فهو قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٢٤] (٢) .
فلما خرجت قريش إلى بدر: خرجوا معهم كرها. فقتل بعضهم بالرمي، فلما علم الصحابة: أن فلانا قتل، وفلانا قتل، تأسفوا على ذلك وقالوا: قتلنا إخواننا. فأنزل الله تعالى فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [النساء: ٩٧] إلى قوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٠٠] (٣) .
فليتأمل الناصح لنفسه هذه القصة، وما أنزل الله فيها من الآيات. فإن أولئك لو تكلموا بكلام الكفر، وفعلوا كفرًا ظاهرًا يُرضون به قومهم: لم
_________
(١) من آية ٢٦ من سورة الأنفال.
(٢) آية ٢٤ من سورة براءة.
(٣) الآيات من ٩٧ إلى ١٠٠ من سورة النساء.
1 / 37