جرى هاجر إلى الشام. واستوطنها، إلى أن مات فيها. وأعطته سارة الجارية التي أعطاها الجبار. فواقعها. فولدت له إسماعيل ﵇، فغارت سارة. فأمره الله بإبعادها عنها. فذهب بها وبابنها فأسكنها في مكة. ثم بعد ذلك وهب الله له ولسارة إسحاق ﵇، كما ذكر الله بشارة الملائكة له ولها بإسحاق. ومن وراء إسحاق يعقوب.
وفي الصحيح عن ابن عباس قال: «لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان: خرج بإسماعيل وأم إسماعيل، ومعه شَنّة فيها ماء. فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فَيَدِرُّ لبنها على صبيها، حتى قدم مكة. فوضعها تحت دَوْحة فوق زمزم في أعلى المسجد - وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء - ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء. ثم قَفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل. فلما بلغوا كداء (١) نادته من ورائه: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا - وفي لفظ: إلى من تَكِلنا؟ قال: إلى الله. قالت: رضيتُ - ثم رجعت. فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية، حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: ٣٧] (٢) . وجعلت أم إسماعيل ترضعه
_________
(١) قال الحافظ في الفتح (ج٦ ص٢٨٤) بفتح الكاف ممدودا: هو الموضع الذي دخل منه النبي ﷺ مكة في حجة الوداع.
(٢) الآية رقم ٣٧ من سورة إبراهيم.
1 / 18