Mukhtasar Sifat Safwa
مختصر صفة الصفوة لابن الجوزى
Noocyada
قال هرم بن حيان: فلما بلغني ذلك قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا طلبه، حتى سقطت عليه جالسا على شاطئ الفرات نصف النهار، يتوضأ. فعرفته بالنعت الذي نعت لي: فإذا رجل نحيل آدم شديد الأدمة أشعث محلوق الراس مهيب المنظر، فسلمت عليه فرد علي ونظر إلي، ومددت يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني، فقلت: رحمك الله يا أويس وغفر لك، كيف أنت? وخنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي عليه، لما رأيت من حاله، حتى بكيت وبكى. قال: وأنت، فحياك الله يا هرم بن حيان، كيف أنت يا أخي? من دلك علي? قلت: الله. قال: لا إله إلا الله، سبحان ربنا إن كان وعد ربنا مفعولا سورة الإسراء، آية 108. فقلت: ومن أين عرفت اسمي واسم أبي وما رأيتك قبل اليوم ولا رأيتني? قال: نبأني العليم الخبير، عرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضا ويتحابون بروح الله عز وجل، وإن لم يلتقوا، إن نأت بهم الدار وتفرقت بهم المنازل. قلت: حدثني رحمك الله عن رسول الله قال: إني لم أدرك رسول الله ، ولم يكن لي معه صحبة بأبي وأمي رسول الله، ولكني قد رأيت رجلا قد رأوه ولست أحب أن أفتح على نفسي هذا الباب، أن أكون محدثا أو قاضيا أو مفتيا، في نفسي شغل عن الناس. فقلت: أي أخي اقرأ علي آيات من كتاب الله عز وجل أسمعها منك، وأوصني بوصية أحفظها عنك، فإني أحبك في الله. فأخذ بيدي فقال: أعود بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال ربي، وأحق القول قول ربي عز وجل، وأصدق الحديث حديث ربي عز وجل، ثم قرأ: وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق إلى قوله العزيز الرحيم سورة الدخان، من الآية رقم 38 إلى الآية 42 فشهق شهقة فنظرت إليه وأنا أحسبه قد غشي عليه. ثم قال: يا هرم بن حيان مات أبوك حيان ويوشك أن تموت أنت فإما إلى الجنة وإما إلى النار، ومات أبوك آدم وماتت أمك حواء يا بن حيان، ومات نوح نبي الله، ومات إبراهيم خليل الله، ومات موسى نجي الله، ومات داود خليفة الرحمن، ومات محمد وعلى جميع الأنبياء، ومات أبو بكر خليفة رسول الله، ومات أخي وصديقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه.فقلت له: يرحمك الله إن عمر لم يمت. قال: بلى قد نعاه إلي ربي عز وجل، ونعى إلي نفسي، وأنا وأنت في الموتى. ثم صلى على النبي ودعا بدعوات خفاف ثم قال: هذه وصيتي إياك: كتاب الله وتعي المرسلين ونعي صالح المؤمنين، فعليك بذكر الموت ولا يفارقن قلبك طرفة عين ما بقيت، وأنذر قومك إذا رجعت إليهم وانصح للأمة جميعا، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تعلم، فتدخل النار، وادع لي ولنفسك.
ثم قال: اللهم إن هذا زعم أنه يحبني فيك وزارني من أجليك فعرفني وجهه في الجنة وأدخله على دارك، دار السلام، واحفظه ما دام حيا، وأرضه من الدنيا باليسير، واجعله لما أعطيته من نعمك من الشاكرين واجزه عني خيرا. ثم قال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته
لا أراك بعد اليوم إن شاء الله تعالى رحمك الله فإني أكره الشهرة، والوحدة أحب إلي لأني كثير الغم ما دمت مع هؤلاء الناس، فلا تسأل عني ولا تطلبني، واعلم أنك مني على بال وإن لم أرك وتراني، واذكرني وادع لي فإني سأدعو لك وأذكرك إن شاء الله، فانطلق أنت ها هنا حتى آخذ أنا ههنا. فحرصت على أن أمشي معه ساعة
فأبى علي ففارقته أبكي ويبكي، فجعلت أنظر إليه حتى دخل بعض السكك، ثم سألت بعد ذلك وطلبته فلم أجد أحدا يخبرني عنه بشيء، وما أتت علي جمعة إلا وأراه في منامي مرة أو مرتين.
عن أسير بن جابر أن أويسا القرني كان إذا حدث يقع حديثه في قلوبنا موقعا ما يقع حديث غيره.
عن أسير بن جابر قال: كان محدث بالكوفة يحدثنا، فإذا فرغ من حديثه يقول: تفرقوا. ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحد يتكلم بكلام فأحببته. ففقدته، فقلت لأصحابي: هل تعرفون رجلا كان يجالسنا? فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه وذاك أويس القرني. قلت: وتعرف منزله? قال: نعم.
Bogga 193