Mukhtasar Sawaciq Mursala
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
Tifaftire
سيد إبراهيم
Daabacaha
دار الحديث
Daabacaad
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Goobta Daabacaadda
القاهرة - مصر
Noocyada
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ وَعَجِيبَ مَوْقِعِهِ فِي قَطْعِ الْخُصُومِ، وَإِحَاطَتِهِ بِكُلِّ مَا وَجَبَ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَرُدَّ بِهِ مَا دَعَوْهُ إِلَيْهِ، بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لِطَاعِنٍ مَطْعَنٌ وَلَا سُؤَالٌ، وَلَمَّا كَانَتْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ عَظَّمَهَا بِإِضَافَتِهَا إِلَى نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ [الأنعام: ٨٣] وَكَفَى بِحُجَّةٍ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى مُلْقِيهَا لِخَلِيلِهِ أَنْ تَكُونَ قَاطِعَةً لِمَوَارِدِ الْعِنَادِ، وَقَامِعَةً لِأَهْلِ الشَّكِّ وَالْإِلْحَادِ.
وَشَبِيهٌ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٢٥٨] لَمَّا أَجَابَ إِبْرَاهِيمُ ﷺ الْمُحَاجَّ لَهُ فِي اللَّهِ بِأَنَّ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ هُوَ اللَّهُ، أَخَذَ عَدُوُّ اللَّهِ فِي الْمُغَالَطَةِ وَالْمُعَارَضَةِ بِأَنَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، بِأَنَّهُ يَقْتُلُ مَنْ يُرِيدُ وَيَسْتَبْقِي مَنْ يُرِيدُ، فَقَدْ أَحْيَا هَذَا وَأَمَاتَ هَذَا، فَأَلْزَمَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَى طَرْدِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حَرَكَةِ الشَّمْسِ مِنْ غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي يَأْتِي اللَّهُ مِنْهَا بِزَعْمِهِ، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ يُسَاوِي اللَّهَ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيَتَصَرَّفْ فِي الشَّمْسِ تَصَرُّفًا تَصِحُّ بِهِ دَعَوَاهُ، وَلَيْسَ هَذَا انْتِقَالًا مِنْ حُجَّةٍ إِلَى حُجَّةٍ أَوْضَحَ مِنْهَا كَمَا زَعَمَ بَعْضُ النُّظَّارِ، وَإِنَّمَا هُوَ إِلْزَامٌ لِلْمُدَّعِي فِي طَرْدِ حُجَّتِهِ إِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً.
وَمِنْ ذَلِكَ احْتِجَاجُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى إِثْبَاتِ عِلْمِهِ بِالْجِهَاتِ كُلِّهَا بِأَحْسَنِ دَلِيلٍ وَأَوْضَحِهِ وَأَصَحِّهِ، حَيْثُ يَقُولُ: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الملك: ١٣] ثُمَّ قَرَّرَ عِلْمَهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: ١٤] وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ التَّقْرِيرِ، فَإِنَّ الْخَالِقَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ مَخْلُوقَهُ، وَإِذَا كُنْتُمْ مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ خَالِقُكُمْ وَخَالِقُ صُدُورِكُمْ وَمَا تَضَمَّنَتْهُ، فَكَيْفَ تَخْتَفِي عَلَيْهِ وَهِيَ خَلْقُهُ؟
وَهَذَا التَّقْرِيرُ مِمَّا يَصْعُبُ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ فَهْمُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ عِنْدَهُمْ مَا فِي الصُّدُورِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ عَلَى أُصُولِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى عِلْمِهِ بِهَا، وَلِهَذَا طَرَدَ غُلَاةُ الْقَوْمِ ذَلِكَ وَنَفَوْا عِلْمَهُ، فَكَفَّرَهُمُ السَّلَفُ قَاطِبَةً، وَهَذَا التَّقْرِيرُ مِنَ الْآيَةِ صَحِيحٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، أَعْنِي تَقْدِيرَ أَنْ يَكُونَ (مَنْ) فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ،
1 / 93