Mukhtasar Sawaciq Mursala
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
Baare
سيد إبراهيم
Daabacaha
دار الحديث
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Goobta Daabacaadda
القاهرة - مصر
Noocyada
وَمَعَانِيهَا، بَلْ قَامَ بِقُلُوبِهِمْ مَعْرِفَةُ حَقَائِقِهَا، وَانْتِفَاءُ التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ عَنْهَا وَهَذَا هُوَ الْمَثَلُ الْأَعْلَى الَّذِي أَثْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النحل: ٦٠]، الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الروم: ٢٧]، الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] فَنَفَى ﷾ الْمَثَلَ عَنْ هَذَا الْمَثَلِ الْأَعْلَى، وَهُوَ مَا فِي قُلُوبِ أَهْلِ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَالْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَذَاتِهِ.
فَهَذَا الْمَثَلُ الْأَعْلَى هُوَ الَّذِي آمَنَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَنِسَ بِهِ الْعَارِفُونَ ; وَقَامَتْ شَوَاهِدُهُ فِي قُلُوبِهِمْ بِالتَّعْرِيفَاتِ الْفِطْرِيَّةِ الْمُكَمَّلَةِ بِالْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ الْمَضْبُوطَةِ بِالْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ، فَاتَّفَقَ عَلَى الشَّهَادَةِ بِثُبُوتِهِ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ وَالْفِطْرَةُ، فَإِذَا قَالَ الْمُثْبِتُ: يَا لِلَّهِ، قَامَ بِقَلْبِهِ رَبٌّ قَيُّومٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، مُكَلَّمٌ، مُتَكَلِّمٌ، سَامِعٌ، قَدِيرٌ، مُرِيدٌ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، يَسْمَعُ دُعَاءَ الدَّاعِينَ، وَيَقْضِي حَاجَاتِ السَّائِلِينَ، وَيُفَرِّجُ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ، تُرْضَيْهِ الطَّاعَاتُ، وَتُغْضِبُهُ الْمَعَاصِي، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ بِالْأَمْرِ إِلَيْهِ، وَتَنْزِلُ بِالْأَمْرِ مِنْ عِنْدِهِ. وَإِذَا شِئْتَ زِيَادَةَ تَعْرِيفٍ بِهَذَا الْمَثَلِ الْأَعْلَى فَعُدَّ قُوَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ اجْتَمَعَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ كَانَ جَمِيعُهُمْ عَلَى قُوَّةِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ، فَإِذَا نُسِبَتْ قُوَّتُهُمْ إِلَى قُوَّةِ الرَّبِّ تَعَالَى لَمْ تَجِدْ نِسْبَةً إِلَيْهَا الْبَتَّةَ كَمَا لَا تَجِدُ نِسْبَةً بَيْنَ قُوَّةِ الْبَعُوضَةِ وَقُوَّةِ الْأَسَدِ، وَإِذَا قَدَّرْتَ عُلُومَ الْخَلَائِقِ اجْتَمَعَتْ لِوَاحِدٍ ثُمَّ قَدَّرْتَ جَمِيعَهُمْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كَانَتْ عُلُومُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِهِ تَعَالَى كَنَقْرَةِ عُصْفُورٍ فِي بَحْرٍ، وَكَذَا فِي حِكْمَتِهِ وَكَمَالِهِ، وَقَدْ نَبَّهَنَا ﷾ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [لقمان: ٢٧] فَقَدِّرَ الْبَحْرَ الْمُحِيطَ بِالْعَالَمِ مِدَادًا وَوَرَاءَهُ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ تُحِيطُ بِهِ كُلُّهَا مِدَادًا يُكْتَبُ بِهِ كَلِمَاتُ اللَّهِ نَفِدَتِ الْبِحَارُ وَنَفِدَتِ الْأَقْلَامُ الَّتِي لَوْ قُدِّرَتْ جَمِيعُ أَشْجَارِ الْأَرْضِ مِنْ حِينِ خُلِقَتْ إِلَى آخَرِ الدُّنْيَا لَمْ تَنْفَدْ كَلِمَاتُ اللَّهِ.
1 / 76