216

Mukhtasar Sawaciq Mursala

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Baare

سيد إبراهيم

Daabacaha

دار الحديث

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Goobta Daabacaadda

القاهرة - مصر

Noocyada

ثُمَّ يُقَالُ: إِنْ جَازَ الْقَدْحُ فِي حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ جَازَ الْقَدْحُ فِي مُلْكِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ بَلْ هُوَ عَيْنُ الْقَدْحِ فِي الْمُلْكِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، كَمَا أَنَّ الْقَدْحَ فِي مُلْكِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ قَدْحٌ فِي حَمْدِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا، وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مَثَلَيْنِ حِينَ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ.
[معنى قضاء الله في عباده وتنزيهه عن الظلم]
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَسْئِلَةَ لَا يَتَوَجَّهُ إِيرَادُهَا عَلَى الْعِلْمِ وَلَا عَلَى الْقُدْرَةِ، وَغَايَةُ مَا تُورَدُ عَلَى الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ، وَأَنَّهَا كَيْفَ تُجَامِعُ عَدْلَهُ وَحِكْمَتَهُ، فَنَقُولُ: قَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَدْلٌ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا، حَتَّى أَعْدَاءَهُ الْمُشْرِكِينَ الْجَاحِدِينَ لِصِفَاتِ كَمَالِهِ، فَإِنَّهُمْ مُقِرُّونَ لَهُ بِالْعَدْلِ وَمُنَزِّهُونَ لَهُ عَنِ الظُّلْمِ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَدْخُلُونَ النَّارَ وَهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِعَدْلِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ﴾ [الملك: ١١]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٠] فَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُهْلِكُ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ، فَلَا يَصِحُّ إِيرَادُ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِعَدْلِهِ، يُوَضِّحُهُ:
الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ طُرُقَ النَّاسِ اخْتَلَفَتْ فِي حَقِيقَةِ الظُّلْمِ الَّذِي يُنَزَّهُ عَنْهُ الرَّبُّ ﷾، فَقَالَتِ الْجَبْرِيَّةُ: هُوَ الْمُحَالُ الْمُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَكَوْنُ الشَّيْءِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا، قَالُوا: لِأَنَّ الظُّلْمَ إِمَّا التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَإِمَّا مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ، وَكِلَاهُمَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ، فَإِنَّ اللَّهَ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ فَوْقَهُ أَمْرٌ تَجِبُ طَاعَتُهُ، قَالُوا: وَأَمَّا تَصَوُّرُ وَجُودِهِ وَقَدْرِ وُجُودِهِ فَهُوَ عَدْلٌ كَائِنًا مَا كَانَ، وَهَذَا قَوْلُ جَهْمٍ وَمَنِ اتَّبَعَهُ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ.
وَقَالَ الْقَدَرِيَّةُ: الظُّلْمُ إِضْرَارٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، أَوْ عُقُوبَةُ الْعَبْدِ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، أَوْ عُقُوبَتُهُ عَلَى مَا هُوَ مَفْعُولٌ مِنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، قَالُوا: فَلَوْ كَانَ سُبْحَانَهُ خَالِقًا لِأَفْعَالِ الْعَبِيدِ مُرِيدًا لَهَا قَدْ شَاءَهَا وَقَدَّرَهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ عَاقَبَهُمْ عَلَيْهَا كَانَ ظَالِمًا، وَلَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُ كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ عَدْلًا لَا يَظْلِمُ إِلَّا بِالْقَوْلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ وُجُودَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، وَلَا شَاءَهَا، بَلِ الْعِبَادُ فَعَلَوْا ذَلِكَ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، كَمَا فَعَلُوهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ

1 / 231