Mukhtasar Sawaciq Mursala
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
Baare
سيد إبراهيم
Daabacaha
دار الحديث
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Goobta Daabacaadda
القاهرة - مصر
Noocyada
ثُمَّ هُمْ مُتَنَاقِضُونَ أَفْحَشَ تَنَاقُضٍ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: تُجْرَى عَلَى ظَاهِرِهَا، وَتَأْوِيلُهَا بَاطِلٌ، ثُمَّ يَقُولُونَ: لَهَا تَأْوِيلٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِتَدَبُّرِ كِتَابِهِ وَتَفَهُّمِهِ وَتَعَقُّلِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ بَيَانٌ وَهُدًى وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَحَاكِمٌ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَمِنْ أَعْظَمِ الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ فِي بَابِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَالْأَفْعَالِ، وَاللَّفْظُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ مَا أَرَادَ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ لَا يَحْصُلُ بِهِ حُكْمٌ وَلَا هُدًى وَلَا شِفَاءٌ وَلَا بَيَانٌ.
وَهَؤُلَاءِ طَرَقُوا لِأَهْلِ الْإِلْحَادِ وَالزَّنْدَقَةِ وَالْبِدَعِ أَنْ يَسْتَنْبِطُوا الْحَقَّ مِنْ عُقُولِهِمْ، فَإِنَّ النُّفُوسَ طَالِبَةٌ لِمَعْرِفَةِ هَذَا الْأَمْرِ أَعْظَمَ طَلَبٍ، وَالْمُقْتَضَى التَّامُّ لِذَلِكَ فِيهَا مَوْجُودٌ، فَإِذَا قِيلَ لَهَا: إِنَّ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ لَهَا تَأْوِيلٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَعْنَاهَا، فَرَّتْ إِلَيْهِ عُقُولُهُمْ وَفِطَرُهُمْ وَآرَاؤُهُمْ، فَسَدَّ هَؤُلَاءِ بَابَ الْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَفَتَحَ أُولَئِكَ بَابَ الزَّنْدَقَةِ وَالْبِدْعَةِ وَالْإِلْحَادِ وَقَالُوا: قَدْ أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ عِلْمٌ بِالْحَقِّ وَلَا يَهْدِي إِلَيْهِ، فَهُوَ فِي طَرِيقَتِنَا لَا فِي طَرِيقَةِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّا نَحْنُ نَعْلَمُ مَا نَقُولُ وَنُثْبِتُهُ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ لَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَ مَا قَالُوهُ وَلَا بَيَّنُوا مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ، وَأَصَابَ هَؤُلَاءِ مِنَ الْغَلَطِ عَلَى السَّمْعِ مَا أَصَابَ أُولَئِكَ مِنَ الْخَطَأِ فِي الْعَقْلِ.
[كذب من زعم أن السلف لا يدرون معاني ألفاظ الصفات]
وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَ السَّلَفِ بِقَوْلِهِمْ: لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ إِلَّا اللَّهُ، فَالتَّأْوِيلُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٥٣]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩]، وَقَوْلِ يُوسُفَ: ﴿يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾ [يوسف: ١٠٠]، وَقَوْلِ يَعْقُوبَ: ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ [يوسف: ٦]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ﴾ [يوسف: ٤٥]، وَقَالَ يُوسُفُ: ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا﴾ [يوسف: ٣٧]، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ الطَّلَبِيِّ هُوَ نَفْسُ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَتَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: السُّنَّةُ تَأْوِيلُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ ﵁: «كَانَ
1 / 132