115

Mukhtasar Sawaciq Mursala

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Tifaftire

سيد إبراهيم

Daabacaha

دار الحديث

Daabacaad

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Goobta Daabacaadda

القاهرة - مصر

Noocyada

الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ، كَمَا أَنَّ عِنْدَ الْجَهْمِيِّ أَنَّ الْفَاقِدَ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ أَكْمَلُ مِنَ الْمَوْصُوفِ بِهِمَا، كَمَا أَنَّ عِنْدَ أُسْتَاذِهِمَا وَشَيْخِهِمَا الْفَيْلَسُوفِ أَنَّ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَعْلَمُ وَلَا لَهُ حَيَاةٌ وَلَا قُدْرَةٌ، وَلَا إِرَادَةٌ، وَلَا فِعْلٌ وَلَا كَلَامٌ، وَلَا يُرْسِلُ رَسُولًا، وَلَا يُنْزِلُ كِتَابًا، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي هَذَا الْعَالَمِ بِتَحْوِيلٍ وَتَغْيِيرٍ وَإِزَالَةٍ وَنَقْلٍ وَإِمَاتَةٍ وَإِحْيَاءٍ، أَكْمَلُ مِمَّنْ يَتَصَرَّفُ بِذَلِكَ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ، وَسَلَبُوا الْكَمَالَ عَمَّنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَلَمْ يَكْفِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى جَعَلُوا الْكَمَالَ نَقْصًا.
فَتَأَمَّلْ نِسْبَتَهُمُ الْبَاطِلَةَ الَّتِي عَارَضُوا بِهَا الْوَحْيَ، هَلْ تُصَادِمُ هَذَا الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ اخْتَرْ لِنَفْسِكَ بَعْدُ مَا شِئْتَ، وَهَذَا قَطْرَةٌ مِنْ بَحْرٍ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ تَنْبِيهًا يَعْلَمُ بِهِ اللَّبِيبُ مَا وَرَاءَهُ، وَإِلَّا فَلَوْ أَعْطَيْنَا هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّهُ، وَهَيْهَاتَ أَنْ نَصِلَ إِلَى ذَلِكَ، لَكَتَبْنَا عِدَّةَ أَسْفَارٍ، وَكَذَا كُلُّ وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَوْ بُسِطَ وَفُصِّلَ لَاحْتَمَلَ سِفْرًا وَأَكْثَرَ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ.
[غاية ما ينتهي إليه من عارض الشرع بالعقل]
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ غَايَةَ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ مَنِ ادَّعَى مُعَارَضَةَ الْعَقْلِ لِلْوَحْيِ أَحَدُ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا: إِمَّا تَكْذِيبُهَا وَجَحْدُهَا، وَإِمَّا اعْتِقَادُ أَنَّ الرُّسُلَ خَاطَبُوا الْخَلْقَ خِطَابًا جُمْهُورِيًّا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا مِنْهُمُ التَّخَيُّلَ وَضَرْبَ الْأَمْثَالِ، وَإِمَّا اعْتِقَادُ أَنَّ الْمُرَادَ تَأَوُّلُهَا وَصَرْفُهَا عَنْ حَقَائِقِهَا بِالْمَجَازَاتِ وَالِاسْتِعَارَاتِ، وَإِمَّا الْإِعْرَاضُ عَنْهَا وَعَنْ فَهْمِهَا وَتَدَبُّرِهَا، وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا أُرِيدَ بِهَا إِلَّا اللَّهُ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَقَامَاتٍ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى كُلِّ مَقَامٍ مِنْهَا طَوَائِفُ مِنْ بَنِي آدَمَ.
وَالْمَقَامُ الْأَوَّلُ: مَقَامُ التَّكْذِيبِ، وَهَؤُلَاءِ اسْتَرَاحُوا مِنْ كُلْفَةِ النُّصُوصِ وَالْوُقُوعِ فِي التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ، وَخَلَعُوا رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ أَعْنَاقِهِمْ.
الْمَقَامُ الثَّانِي: مَقَامُ أَهْلِ التَّخْيِيلِ، قَالُوا: إِنَّ الرُّسُلَ لَمْ يُمْكِنْهُمْ مُخَاطَبَةُ الْخَلْقِ بِالْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَخَاطَبُوهُمْ بِمَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِمْ، وَضَرَبُوا لَهُمُ الْأَمْثَالَ، وَعَبَّرُوا عَنِ الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ بِالْأُمُورِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْحِسِّ، وَسَلَكُوا ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِخْبَارِ عَنِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَأَقَرُّوا بَابَ الطَّلَبِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ هَذِهِ الْمَسْلَكَ فِي الطَّلَبِ أَيْضًا، وَجَعَلَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ إِشَارَاتٍ وَأَمْثَالًا، فَهُمْ ثَلَاثُ فِرَقٍ؟ هَذِهِ إِحْدَاهَا، وَالثَّانِيَةُ سَلَكَتْ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ دُونَ الْأَمْرِ، وَالثَّالِثَةُ سَلَكَتْ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ صِفَاتِهِ دُونَ الْمَعَادِ وَالْجَنَّةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ إِلْحَادٌ فِي أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ وَدِينِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْمُلْحِدُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الرَّدِّ عَلَى الْمُلْحِدِ وَقَدْ وَافَقَهُ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ

1 / 130