قال: وعاود السلطان ذكر بعلبك وأشفق عليها وأزمع أن يسير إليها وخل فصل الخريف ومالت الطباع إلى التحريف واصفرت الأوراق واغبرت الآفاق وقد تشاجرت عواصي العواصف مع الأشجار وألقت حواملها لجنة الإثمار ونشا النشاص وربا الرباب وسحب ذيل نيلة السحاب وارتجت الأرض وارتجت السماء ووصلت النار وهجر الماء وقال الأمر لسلطان هذا أوان الانصراف ووقت الانحراف فقال قد بقيت في النفس حاجة بعلبك نقضيها وعزيمتنا في تسلها نمضيها فان المتحصن بها بحكم هواه متصرف وعن أمرنا متوقف، فنحضره ونحصره ونعظه ونوقظه وان أهملنا أمره فربما اطمع فينا الفرنج وأفضى بسر الشر إلى الجهر على أن حق ابن المقدم متقدم ولا شك انه متندم ودينه قوي ويقينه روى ولعله لا يحوجنا إلى المطاولة ولا يخرجنا إلى المنازلة فسرنا على طريق الزراعة وجينا وراسلناه بالاستعطاف والاستعفاف وداريناه لشيخوخته كالأطفال بالألطاف. وكان نزولنا بظاهر بعلبك على رأس عينها وطالت الإقامة عليها اشهرا. واطلج المذكور في ليل لجاجة فلم يبد في سفارة منه واليه صبحا مسفرا ونحن نشفق من نزاله ولا نصدق (١٩٦ أ) في قتاله ونرفق به على عنقه في أحواله فتارة نخوفه فيتجلد وتارة نرعبه فلا يجيب بل يتبلد.
ودخل الشتاء ووقع الثلج ومتلا به ذلك المرج وأصبحنا وصباحنا ابيض، وجناحنا لا ينهض والعروق لا تنبض والبروق لا تومض وتانيران مقرورة وشباه الجليد مطرودة والزناد كابية والأجناد ايبة ونحن كأننا من ضيمنا في حبوس وقد جمدنا كأننا بلا نفوس فلبدنا على المرابض في مضارب اللباد وكنا في الاكنان حول الكوانين كانا في صوامع العباد نطري افلاذ الأكباد بشي افلاذ الأكباد فعلى المناقل الشيشات شريح، وللاقتراحات على الطهارة قرايح وللسلطان في كل بكور ركوب للصيد وله طرايد وطرايح فما الذي شتوة وأهناها نوبة لم نر لها نبوة لكانها كانت غفوة لم تذكر للدهر لولا انقضاؤها هنوة وهيهات أن ترى بعدها في طيب عيشها عيشة أو غدوة.
ذكر مكرمة للسلطان
قال: كتب إليه النواب بدمشق أن الأموال ضايعة وان الأطماع زايغة وقد أفنى الجود مجموع الموجود، وأنا عند الاحتياج إلى كف ملم ودفع مهم لا نجد ما ننفقه وان في أرباب الصدقات أغنياء لا يستحقونها وما لهم رقبة من الله وان المصلحة تقتضي أفراد جهات لما تسنح من مهمات فأمر بهم في كتابه يكتب مؤامرة فجاءت مطالعة مكملة بالأسماء مفصلة. فقال لي السلطان: أقراها علي فبدأت بذكر أرباب الصدقات، وقدمت ذكر جهتهم على الجهات، وكان مبلغ احد عشر ألف دينار للصدقات وقدمت ذكر جهتهم على الجهات، وكان مبلغ احد عشر ألف دينار للصدقات في مثل دمشق قليل والعطاء بحمد الله جزيل والصنع جميل فقال اكتب عليها جميعها بالإمضاء ولا يكدر على ذوى الآمال موالي العطاء. فقلت أما أتلو بقية الأسماء فقال بل نزهني عن الأشياء فبقيت تلك الرسوم دارة وللآمال سارة بل تضاعفت على السنين أضعافا واستضافت آلافها ألافا ولما طال المقام على حصر بعلبك لم ير السلطان مقابلة المسلمين فيه ولا كسر الناموس فرتب طغرل الجاندار وجماعة معه يكفون من الرجال ووصاهم بالا يتعرضوا للقتال بل يمنعون من الدخول والخروج ووصلنا دمشق في العشر الاواخر من رجب، وتمادى الأمر إلى أن رضي ابن المقدم بحصن بعرين وإعماله وببلد كفر طاب واعيان نواح وقرى من بلدة المعرة، وكان الذي اخذ أكثر وانفع مما خلاه وما خطر بباله وما حصل له ولا ترجاه ولأتمناه. قال: وسألني السلطان أن اعمل أبياتا يكتبها إلى مصر فقلت:
يا ساكني مصر لا والله مالكم ... شوقي الذي لذعت قلبي لواعجه
أصبحت أطلب طرق الصبر اسلكها ... هيهات قد خفيت عني مناهجه
ذكر المقياس بمصر
هذا المقياس موضع مبنى في عهد خلفاء بني العباس ليعرف زيادة الماء ونقصانه بالقياس، وهناك عمود في الماء مقسوم بالأذرع، والأذرع مقسومة بالأصابع في مسجد ينوب في الجزيرة عن الجامع تصلي فيه الجماعات والجمع ويتولاها من العهد القديم متولي من بني الرداد من وهو معروف بالنزاهة والعلم والسداد وله راتب دار ورسم وقرار وخلع وتشريفات في المواسم وحرمة متوالية المعنى سامية المعالم.
ذكر حديث حصن بيت الأحزان
1 / 66