وكان مرحبا رضيا، وفضاء مضيا، وصحاري واسعة، وبراري شاسعة وهو مصطاد وسيع ومصطاف وشيع، ومراد مريع كله ربيع، وشملنا فيه جميع ولكل رجاء من الجود السلطاني شفيع، ولكل توقيع توقيع.
ودخلت سنة ثلاث وسبعين
والسلطان بمرج الفاقوس من أعمال مصر الشرقية، والإسلام زاهر زاه والكفر واهن واه، والنصر مضمون، والعصر ميمون، وسر التوحيد سار، وقلب الشرك محزون، وذخر المال مبذول، وكنز الحمد مذخور ومخزون ونحن في اجتماع واتساع وارتفاع وامتناع لاشيم كهام ولا رنة شاك ولا أنة باك، ولا شكاية مظلوم، ولا حكاية محروم، والأيام ظاهرة الأيامن باهرة المحاسن، وقد طابت للزمان وأهله أنفاس ونفوس ودارت على الدنيا من ألطاف الله كئوس. قال ونظمت في الأجل (١٨٨ ب) الفاضل قصيدة ميمية في منتصف المحرم وأولها:
يم هضيم يروم هضمى ... من سقم عينيه عين سقمي
د نقطت شمس وجنتيه ... للحسن من خاله بنجمي
اهي مناط الوشاح حلت ... فيه بوجدي عقود عزمي
طاقة في القياس نطق ... يدور من خصره بوهمي
ومنها
ندي مواعيد للمعالي تمطل ... دهري فيها برغمي
نتيجة النجح منك تقضي ... أن المواعيد غير عقمي
ذكر علم الدين الشاتاني
قال: قد سبق ذكره في الأيام النورية، وهو من أدباء الموصل وشعرائها بل من فصحائها وظرفائها وله نتف وطرف. ووفد سنة اثنتين وسبعين إلى مصر واصطنعه الملك عز الدين فرخشاه وأنزله في داره، وقرر له إحسانا دارا، وجمع له من رفده ومن الأمراء ذوي الفواضل مبلغ ألف دينار، وأذن صبح نجح أمله منه بأسفار، وكان عندنا في المخيم في المحرم من هذه السنة وقد مدح السلطان بكلمة مطلعها:
إذا النصر معقودا براياتك الصفرا ... فسر وافتح الدنيا فأنت بها أحرى
وأقام حتى اجتاب خلعة الاحتباء وعقد له السلطان حبى الباء.
قال: وكتب الأجل الفاضل من عنده مكاتبه إلى عز الدين يحمده على اصطناعه ورفعه من حضيض حظوظه إلى بقاع ارتفاعه. فصل منها: لولا حق وجب على الملوك أداؤه، وسر خدمة تعين عليه إبداؤه لامتثال الأمر في أن يدوم سرور المجلس السامي بالحباية، وأن لا يعارض صفو عيشه بكدر كتابه. لكن لم يتسع له مع عود القاضي الفقيه الإمام الرئيس الكامل علم الدين وهو ينهي أن المذكور صايغ حليه الذكر وفارس خلية الشكر وخطيب الأيادي، والعالم بما يورده في كتب محاسنه (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وما برح مذ فارق الركاب العالي في هذه الأيام التي طالت عليه ببعده فكأنها أعوام كما قصرت عليه تلك الأيام بقربه فكأنها أحلام إذا ذكر المولى سبح بحمده وبادر من غير تشيع بتعفير خده وصلى على ذكره وسلم وأورد من آيات مجده ما كان بإيراده أقوم ولا نقول أعلم فإن الخلق قد أشركوا في هذا العلم وامتروا في هذا الحكم.
عرف العالمون فضلك بالعلم ... وقال الجهال بالتقليد
بل لا يقول أحد بالتقليد في فضايله لما عندهم من فواضله:
فإن مر من يثني عليه حقايب ... فأنت الذي تثنى عليه الحقايق
وكل سحاب يمطره فالمولى منشئ أفواجه، وكل بحر يغمره فهو باعث أمواجه، والمولى مقفو أثر الإحسان متبوعه، ومن الذي يتبعه فيستطيعه، فمن أعطاه أوادنا فإنما عرفه بتعريفه واستشرف ناظره إليه بتقريبه له وتشريفه والمولى كما قال حبيب الأدباء حبيب:
ففي كل نجد في البلاد وغاير ... مواهب ليست منه وهي مواهبه
وفي هذه القصيدة بيت يليق بأوصاف بيته الكريم وهو:
إلى سالب الجبار بيضة ملكه ... وأمله عاد عليه فسالبه
والمملوك لايستزيد الإحسان لأنه ناقص عن غاية ولكنه يشاركه في الشكر وإن كان المذكور أشهر اياه وأظهر آية.
ذكر بروز السلطان بقصد الغزاة إلى غزة وعسقلان ونوبة الرملة
1 / 52