يفيد العاقل اليقظ التغابي ... فيا جور السقيم على البري
ولم يصب السهام على اعتدال=بها لولا اعوجاج في القسى قال: وشاع الخبر عن المواصلة بالخروج في الربيع، وحشد الجموع وحشر الجميع، وإطلاق ألسنتهم بالتشنيع. وكنا في كانون ونحن لبيوت المغاني في دمشق بانون وأمرني السلطان بأن أنشئ عنه إلى الملك العادل سيف الدين وهو بمصر ما يشيع له السر، ويعرفه الأمر، وأن يلمز الأمراء بالاستعداد لوقت الاستدعاء قال ثم ظهر من المواصلة الخلاف وصح عنه الإرجاف وجاؤوا إلى نصيبين بجنودهم وبنودهم وحشدوهم فكتب السلطان إلى الأمراء بالإستدعاء والاستبطاء، فوصل من مصر من وقع على حضوره التنصيص، ونفذ بالأمر التعميم والتخصيص. ووصل الأجل الفاضل وشملت الفواصل ونجحت الوسائل. ولما تحقق اجتماع الموصلية والحلبية وباتفاقهم بالهمم الأبية أيقنا منهم صدق القصد وضلالهم عن نهج الرشد فرحلنا من دمشق في شهر رمضان فما عرجنا على بلد، ولا انتظرنا ما ورآنا من مدد حتى جزنا حماة، وخيمنا بقرب بو قبيس في فرجه وعث النصر في أوجه وبحر الظفر في موجه فألقينا ذلك الشعب مشعبا فاسمنا الخيول وضممنا الذيول فركب السلطان عند استكمال إمداده، واحتفال أجناده ففرض وفرض وحرض وحرض وصرح بالجد وعرض وجاءنا الخبر أنهم في عشرين ألف فارس سوى سوادهم وما وراءهم من إمدادهم أنهم موعودون من الفرنج بالنجده، وإنهم يزيدون كل يوم في القوة والشده وما كان أجتمع من عسكرنا سوى ستة آلاف فارس فقال الصواب مسيرنا إليهم والأقدام عليهم. ونحن بالقعود لانستزيد عددا وهم كل يوم في زيادة جموع، وما بقى وراءنا من أنا ننتظر وبقدومه نستظهر فرتب عسكره ميمنه وميسره وقوى بقلبه قلبه، وأمد الله بحزب ملائكته حزبه.
ذكر الوقعة مع المواصلة والحلبيين يوم
الخميس عاشر شوال
قال: وأقمنا بقية شهر رمضان بالمرج القبيسي فقد الحرب النسى ونقول قد وصلوا إلى حلب وما عرفنا منهم الطلب فإن خرجوا في الطلب إلى حدودنا خرجنا إليهم بجدودنا وذكرناهم بعهودنا. ولما وصلت المواصلة إلى حلب أطلقوا من كان في الأسر من ملوك الكفر وفيهم أبرنس الكرك وجوسلين خال الملك وقرروا معهم أن يدخلوا من مسعدتهم في الدرك. وكان وصولنا إلى مرج أبو قبيس في الخامس والعشرين من شهر رمضان فلما عيدنا ووصل الخبر بوصولهم إلى تل السلطان عبرنا العاصي عند شيزر ورتبنا العسكر وأعدنا الأثقال منها إلى حماة وجردنا الكمت والكماة وسار يوم الثلاثاء بعزم اللقاء وتفرق الخيل على الجباب والمصانع يوم الأربعاء، وأخذ حظها من الارتواء ثم أدلج ليلا وصبح القوم بكرة الخميس بالخميس وعرس بقربهم الأسد مع العريس. ولما طلع الفجر نظروا وإذا الخيل عليهم مطلة وبوارق البيارق فوقهم مستهله، والصواهل محمحمة والقنا طل مدمدمة والجاليشية دايرة والجاوشيه فاغره والخبايا مرنه والمنايا مرجحنة فحين غامرهم الجيش خامرهم الطيش وقالوا ما أوقع هؤلاء أما عرفوا أنهم عند بحارنا جداول وعند جبالنا جنادل وعند صقورنا بغاث وعند ذكورنا إناث فأمتطت جبالهم الرماح وهزوا بالمراح الرماح وشاموا بوارق القضب وأنقضوا بشهب الشهب، وسلوا من النبل الجعاب ومن الزعف العباب وصف سيف الدين غازي صاحب الموصل أمام قلبه وتراكمت قدامه سحب صحبه وقد فوق إليهم السهم كأنه مستوى بيت القوس وشمس برج الأسد للفرس يخطب كفو الكريم لإقامة العرس ملابس وللجمال جميل اللبس، شاب حوله الشباب، وشهاب تجلله من لثام الزرد سحاب بعزه معتز وبغرورة مغتر، وبعطف اللدن مثل رمحه إلى اللقاء مهتز بعمره غير مبال لا يخطر الخطر له ببال والملك الصالح مع الحلبيين في خلابه بارز في أطلابه وقد جمع كل بطل كمي وأجدل مضرحي ومن ساير قبائل الأكراد ومن المماليك الأتابكيه (١٨٢ ا) كل كميش وهجان وأكديش وكان الأمير مظفر الدين كوكبري بن زين الدين علي كوجك على ميمنته وهو في كتيبته الشهبا وداهيته الدهيا ودهته الحشا، وفي مقابلته ميسرتنا وفيها شمس الدين صاحب بصرى ومعه جماعة مجمعة فحمل عليهم مظفر الين ففلجها وطحنها وأوهى عقودها وأوهنها وساق أثقالها وقتل رجالها فظنوا أنهم ظفروا وفازوا وكثروا وحازوا.
1 / 39