قال ولما عزم الملك الصالح المسير بيت الجماعة التدبير، فأقام شمس الدين بن المقدم بدمشق، وجمال الدين ريحان وإلى القلعة، والقاضي كمال الدين الشهرزوري وسار الملك الصالح ومعه كمشتكين والعدل ابن العجمي الوزير وولي الدين إسماعيل الخازن ومعهم سابق الدين عثمان وهم يستعطفونه ويتلطفونه حتى قربوا من تل السلطان، ووصلت رسل شمس الدين علي بالإحسان فخلفوا الرسل وراءهم، ورحلوا للمسافة مساهم وأدلجوا حتى وصلوا وثوب الليل شقه الصباح، وصدر الفجر رحبه الانشراح فتلقاهم الكبير والصغير والمأمور والأمير. وكان شمس الدين بالقلعة راقدًا عشاشه وناشدًا انتعاشه فجاء أخوه بدر الدين الحسن متلفيًا فبغتوه بالقبض عليه وجاهروا سابق الدين في مبرم عقده بالنقض واستصحبوهما محمولين، وسبقوا الخبر ركضا حتى دخلوا القلعة، وكان وإليها شاذبخت، وهو معهم في الباطن مطلعًا على سر الشر الكامن فما أحس بهم الشمس إلا وقد كسفوه وأظهروا له خفى كرههم وكشفوه واعتقلوا الأخوة الثلاثة في مطمورة وشعثوا القلوب بما جنوه فعادت غير معمورة. وجاء ابن الخشاب مقدم الشيعة فسفكوا دمه على الحالة الشنيعة وغاظ السلطان صلاح الدين هذا الخبر وتطاير من حلب إلى مصر من نارهم الشرر، ومن بعدها كم فاضت العبرات واستفاضت العبر.
قال: ودخلت سنة سبعين وخمسمائة والملك الصالح في قلعة حلب مسقر وأمره مع أصحابه مستمر وأنا في دار القاضي محي الدين مقيم، والي التوفيق من الله مستقيم أترقب للانفصال الوقت، ولا أجد من الممقوتين إلا المقت. وجاءني من أخبرني أنهم وضعوا عليك من الإسماعيلية من يتمم حيلة وتقتل أأاأأأأ غليه، فقلت ما مع هؤلاء سلامة، وما على الكرم أن فارق أهل اللوم ملامة فتحولت عن المنزل النائي وجعلت الدأب دأبي، وانقلبت إلى حران وسيف الدين غازي صاحب الموصل قد خيم على سروج فقدمت على قصده العروج لأستأذن وإلى الركب أعرج وقصدت فخر الدين عبد رب المسيح وأنبأته بعزمي الصريح ورغبتي في خدمة سيف الدين، فأبيت وقلت ما جيت بهذه النية فأخذ لي كتابًا إلى الموصل، وقد مضيت إليها وأقمت بها على عزم العود إلى بغداد لأجمع بأخي شملي لكن صدني المرض، وحرف مزاج جوهري العرض وذلك في شهر ربيع الأول. وشغف بالتردد إلى كمال الدين بن الوزير جمال الدين محمد بن على أبي المنصور الجواد فكتبت إليه وقد عادني قطعة منها.
قل في الكرام له ... مشبه وإن كثروا
همة مباركة في ... الشفا لها أثر
ليس في السيوف ... سوى للمهند الأثر
قال: وسأذكر خروجي من الموصل في أوانه في ريعان الملك الصلاحي وعنفوانه قال: وطمع سيف الدين غازي في بلاد عمه، وعاد فخر الدين عبد المسيح إلى خدمته وعاد عزه في مكانته ومكنته، واستعاد الخابور والرقة وحران وسروج والرها وأدرك في تلك الأعمال كل ما اشتهى، فمضى العدل بن العجمي من حلب إليه للإصلاح ودخل له تحت الاقتراح وتمت المصالحة، وعلق رهن أخوة مجد الدين في الاعتقال، وضيقوا عليهم في القيود والأغلال، والزموهم بتسليمه الحصون ورفضوا حكم المروة، وتقضوا عهد الفتوة. وكان الموفق خالد بن القيسراني قد وصل ونحن بدمشق من مصر وحمل معه لخاصته المال الوثر وأخذ أمان ملك الفرنج حتى عبر الساحل وطوى إلينا المراحل، ولزم داره بسكون وعقل ولم يدخل مع القوم في شغل.
1 / 29