(13) سورة : التوبة آية رقم : 102 18 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا ابن وهب ، ثنا حيي بن عبد الله المعافري ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله A قال : « القرآن والصيام يشفعان للعبد ، يقول القرآن : رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، ويقول الصيام : رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، فيشفعان » وعن الحسن C قال : قراء القرآن ثلاثة أصناف : صنف اتخذوه بضاعة . وصنف أقاموا حروفه ، وضيعوا حدوده ، واستطالوا به على أهل بلادهم ، واستدروا به الولاة ، وقد كثر هذا الضرب من حملة القرآن لا كثرهم الله . وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم فاستشعروا الخوف وركدوا في محارسهم وخبوا في برانسهم فأولئك الله ينصر بهم على الأعداء ويسقي بهم الغيث فوالله لهذا من حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر . قال : والله لقد رأيت أقواما وصحبت طوائف منهم ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل ولا يأسفون على شيء منها أدبر . ولهي أهون في أعينهم من هذا التراب . كان أحدهم يعيش خمسين أو ستين سنة لم يطو له ثوب ، ولم ينصب له قدر ولا جعل بينه وبين الأرض شيئا قط ، ولا أمر في بيته بصنعة طعام قط . فإذا كان الليل فقيام على أطرافهم يفترشون وجوههم تجري دموعهم على خدودهم يناجون ربهم في فكاك رقابهم ، كانوا إذا عملوا الحسنة ذابوا في شكرها وسألوا الله أن يقبلها ، وإذا عملوا السيئة أحزنتهم وسألوا الله أن يغفرها . فما زالوا كذلك وعلى ذلك ، فوالله ما سلموا من الذنوب ولا نجوا إلا بالمغفرة . وإنكم أصبحتم في أجل منقوص وعمل محفوظ ، والموت والله في رقابكم والنار بين أيديكم فتوقعوا قضاء الله في كل يوم ، وقال عبد الله بن هلال الثقفي C : لا تشهد علي شمس بأكل أبدا ، ولا يشهد علي ليل بنوم أبدا ، فأقسم عليه عمر في الأضحى والفطر أن يفطرهما ، وكان شداد بن أوس إذا دخل فراشه كان في فراشه بمنزلة القمحة في المقلاة على النار وكان يقول : اللهم إن النار منعت مني النوم ، فيقوم إلى الصلاة فيصلي حتى يصبح ، وقفل أبو ريحانة من غزو فلما انتهى إلى أهله تعشى ، ثم قام إلى مسجده ، فلم يزل قائما يصلي حتى أذن المؤذن . فلما سمع المؤذن شد عليه ثيابه ليغدو إلى المسجد ، فأقبلت عليه امرأته فقالت : يغفر الله لك ، قد مكثت في غزوتك ما مكثت ثم انصرفت ، أما كان لنا منك حظ أو نصيب إذ قدمت ؟ فقال لها : بلى ، والله لقد كان لك حظ ، ولو ذكرت ذلك لانصرفت إليك ولكن لم تخطري لي على بال . فقالت : ما الذي شغلك عني ؟ قال : لم يزل قلبي فيما وصف الله في جنته من نعيمها وأرواحها وكراماتها فلو خطرت لي على بال لانصرفت إليك ولو ذكرت ذلك لفعلت ، وكان لعبد الله بن عمر مهراس فيه ماء فيصلي ما قدر له ثم يصير إلى الفراش فيغفى إغفاء الطير ثم يقوم فيتوضأ فيصلي ، ثم يرجع إلى فراشه ، فيغفى إغفاء الطير ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ، ثم يرجع ثم يثب فيتوضأ فيصلي . يفعل ذلك في الليلة أربع مرارا أو خمسا ، وعن سالم بن عبد الله قال : كان ابن عمر لا ينام من الليل إلا قليلا ، وكان ابن الزبير لا ينام بالليل ، وكان يقرأ القرآن في ليلة ، وكان يحيي الدهر أجمع فكان يحيي ليلة قائما حتى يصبح ، وليلة يحييها راكعا حتى الصباح ، وليلة يحييها ساجدا حتى الصباح 19 - حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، ثنا أبو عاصم العباداني ، عن زياد الجصاص ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، أن ابن عمر Bه اعتمر أيام ابن الزبير Bه ، فقال : لا تأخذوا بي عليه فإني أكره أن أراه مصلوبا . فقال لنا سالم : خذوا بنا عليه حتى ننظر ما يقول ، فلما هجمنا عليه قال : ألم أنهكم عن هذا ؟ ثم دنا منه فقال : رحمك الله يا عبد الله بن الزبير ، والله ما علمتك إلا كنت صواما قواما برا بوالديك ، والله لقد أفلحت أمة تكون أنت شرها . ثم أقبل علينا فقال : إن أبي أخبرني أنه سمع رسول الله A يقول : « إن الله يعجل للمؤمن عقوبة دينه في الدنيا » والله إني لأرجو أن لا يعذبك الله يا ابن الزبير بعدها أبدا « . قالها مرتين » وقال عمرو بن دينار : ما رأيت مصليا أحسن صلاة من ابن الزبير وقال مالك بن دينار : قالت المرأة التي نزل عليها عامر بن عبد قيس : ما للناس ينامون ولا تنام ؟ قال : إن جهنم لا تدعني أن أنام . وكان إذا قام من الليل يقول : أبت عيناي أن تذوق طعم النوم مع ذكر النار ، وقالت بنت الربيع لأبيها : يا أبتاه ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام ؟ قال : يا بنيتاه إن أباك يخاف البيات وقالت أم عمر بن المنكدر لعمر : إني لأشتهي أن أراك نائما . فقال : يا أمي والله إن الليل ليرد علي فيهولني فينقضي عني وما قضيت منه إربي وكانت حفصة بنت سيرين تسرج سراجها من الليل ثم تقوم في مصلاها فربما طفي السراج فيضيء لها البيت حتى تصبح . ومكثت في مصلاها ثلاثين سنة لا تخرج إلا لحاجة أو قائلة وكانت تدخل مسجدها فتصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ولا تزال فيه حتى يرتفع النهار فتركع ، ثم تخرج فيكون عند ذلك وضوءها ونومها حتى إذا حضرت الصلاة عادت إلى مسجدها إلى مثلها . وكانت تقول : يا معشر الشباب ، خذوا من أنفسكم وأنتم شباب ، فإني والله ما رأيت العمل إلا في الشباب . وقرأت القرآن وهي بنت ثنتي عشرة سنة وماتت وهي بنت تسعين . وكان ابن سيرين إذا أشكل عليه شيء من القرآن قال : اذهبوا فسلو حفصة كيف تقرأه وكان الهذيل ابنها يجمع الحطب في الصيف فيكسره ويأخذ القصب فيفلقه فإذا وجدت حفصة أمه بردا في الشتاء جاء بالكانون فوضعه خلفها وهي في مصلاها ثم يقعد فيقد بذلك الحطب والقصب وقودا لا يؤذيها دخانه ويدفئها . فمكث كذلك ما شاء الله . قالت حفصة وعنده من يكفيه لو أراد ذلك ، قالت : فربما أردت أن أنصرف إليه فأقول : يا بني ارجع إلى أهلك . ثم أذكر ما يريد فأدعه . قالت : فلما مات رزقني الله عليه من الصبر ما شاء أن يرزق ، غير أني كنت أجد عضة لا تذهب . فبينا أنا ذات ليلة أقرأ سورة النحل إذ أتيت على هذه الآية : ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ما عندكم ينفد وما عند الله باق ، ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (1) فأعدتها فأذهب الله عني ما أجد . وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر : كنا في غزاة وكان عطاء الخراساني يحيي الليل صلاة ، فإذا مضى من الليل نصفه أو ثلثه أقبل علينا ونحن في فساطيطنا ، فنادى : قوموا فتوضئوا وصلوا صيام هذا النهار بقيام هذا الليل ، فهو أيسر من مقطعات الحديد وشراب الصديد الوحاء الوحاء ثم النجاء النجاء ثم يقبل على صلاته . وكان أبو الصهباء صلة بن أشيم يصلي من الليل حتى يأتي الفراش حبوا أو زحفا ، وعن ثابت كان قوم من بني عدي قد أدركنا بعضهم إن كان أحدهم ليصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلا حبوا . وكان ابن الربيع العدوي يصلي حتى ما يأتي الفراش إلا زحفا أو حبوا وما كانوا يعدونه من أعبدهم . وعن بلال بن سعد : رأيتهم يشتدون بين الأغراض ويضحك بعضهم إلى بعض فإذا كان الليل كانوا رهبانا ، وقال معاوية بن قرة : من يدلني على رجل بكاء بالليل بسام بالنهار . وعن ثابت : كان رجل من العباد يقول : إذا أنا نمت فاستيقظت ثم أردت أن أعود إلى النوم ، فلا أنام الله عيني إذا فكنا نراه يعني نفسه . وقال يزيد الرقاشي : إذا أنا نمت فاستيقظت ثم عدت في النوم فلا أنام الله عيني وعن إبراهيم أن معبد بن خالد نعس في صلاته فقال : اللهم اشفني من النوم فما رئي ناعسا في صلاته وكان همام بن الحارث يدعو : اللهم اشفني من النوم وارزقني سهرا في طاعتك وقيل لرجل : ألا تنام ؟ فقال : عجائب القرآن أذهبن نومي وكان عمرو بن عتبة بن فرقد يركب فرسه في جنح الليل ويأتي المقابر فيقول : يا أهل المقابر طويت الصحف ورفعت الأقلام لا تستعتبون من سيئة ولا تستزيدون من حسنة ، ثم يبكي وينزل عن فرسه فيصف قدميه ويصلي حتى يصبح ، فإذا طلع الفجر ركب فرسه حتى يأتي المسجد فيصلي مع القوم كأنه لم يكن في شيء مما كان فيه وكان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبان يتعبد ، فكان يمر على شباب يلهون ويلعبون فيقول لهم : أخبروني عن قوم أرادوا سفرا فجاروا النهار عن الطريق وناموا الليل متى يقطعون سفرا ؟ فكان كذلك يمر بهم فيقول لهم ، فمر بهم ذات يوم فقال لهم هذه المقالة فانتبه شباب منهم فقال : يا قوم إنه والله ما يعني غيرنا نحن بالنهار نلهوا وبالليل ننام ، ثم اتبع صلة فلم يزل يختلف معه إلى الجبان فيتعبد معه حتى مات وعن بكر بن عبد الله المزني قال : كانت امرأة متعبدة من أهل اليمن ، إذا أمست قالت : يا نفس ، الليلة ليلتك لا ليلة لك غيرها ، فاجتهدت ، وإذا أصبحت قالت : يا نفس ، اليوم يومك لا يوم لك غيره ، فاجتهدت وقال عبد الله بن مسعود : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون ، وبنهاره إذ الناس مفطرون ، وبحزنه إذ الناس يفرحون ، وبخشوعه إذ الناس يختالون ، وبورعه إذ الناس يخلطون ، وبصمته إذ الناس يخوضون ، وببكائه إذ الناس يضحكون وعن جندب بن الربيع : صحبت محمد بن النضر الحارثي في سفينة فما رايته نائما في ليل ولا نهار ولا رأيته يأكل حتى خرج منها قوله فإذا فرغت فانصب (2) قال عبد الله : إذا فرغت من المكتوبة فانصب في قيام الليل وقيل : فراغك بالليل . وعن مجاهد إذا فرغت من أمر الدنيا وقمت إلى الصلاة فانصب إلى ربك وارغب إليه وفي رواية : فإذا فرغت فانصب قال : إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك إلى ربك قوله : فارغب (3) إذا قمت إلى الصلاة ، وفي أخرى وإلى ربك فارغب اجعل رغبتك ونيتك لربك وفي أخرى : إذا فرغت الصلوات فانصب إلى ربك فيها وارغب إليه وعن الضحاك : إذا فرغت من الصلاة المكتوبة وسلمت فانصب في الدعاء وعن قتادة : إذا فرغت من صلاتك فانصب إلى ربك في دعائك وفي رواية : أمره إذا فرغ من صلاته أن يبالغ في دعائه وقال الحسن C : أمره إذا فرغ من غزوة أن يجتهد في العبادة قوله : سيماهم في وجوههم من أثر السجود (4) قال الضحاك : هو السهوم إذا سهر الرجل من الليل أصبح مصفرا . وفي رواية : كان رجال يصلون من الليل فإذا أصبحوا رئي سهوم ذلك في وجوههم . وفي أخرى : قوله سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة يعني السيماء ، هو مثلهم في التوراة ، وليس مثلهم في الإنجيل . ثم قال الله ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه قال : هذا مثلهم في الإنجيل ، يعني أصحاب النبي A أنهم يكونون قليلا ثم يزدادن ويكثرون ويستغلظون وعن عكرمة : هو السهر يرى في وجوههم وعن عطية العوفي قال : موضع السجود من وجوههم أشد بياضا من وجوههم يوم القيامة وعن ابن عباس Bه قال : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة وفي رواية : سيماهم في وجوههم السمت الحسن وقال مجاهد : هو الخشوع والتواضع وفي رواية : ليس بندب التراب في الوجه ، ولكنه التخشع والوقار وعن طاؤس C : هو الخشوع والتواضع وعن سعيد بن جبير قال : ثرى الأرض وندى الطهور وعن الحسن : هو بياض في وجوههم وعن عكرمة : هو التراب الذي في جباههم وعن خالد الحنفي C قال : يعرف ذلك يوم القيامة في وجوههم من سجودهم في الدنيا وهو قوله : تعرف في وجوههم نضرة النعيم (5) وعن قتادة C قال : علامتهم الصلاة فذلك مثلهم في التوراة ، وذكر مثلا في الإنجيل كزرع أخرج شطأه وعن الزهري C ، وقتادة C : أخرج شطأه قالا : نباته فآزره ، قالا : فتلاحق يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار يقول : ليغيظ الله بالنبي A وأصحابه الكفار وعن قتادة سيماهم في وجوههم من أثر السجود . قال : علامتهم الصلاة ذلك مثلهم في التوراة أي هذا المثل في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه وهذا نعت أصحاب محمد A في الإنجيل ، قيل أنهم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (6)
__________
(1) سورة : النحل آية رقم : 95
(2) سورة : الشرح آية رقم : 7
(3) سورة : الشرح آية رقم : 8
(4) سورة : الفتح آية رقم : 29
(5) سورة : المطففين آية رقم : 24
Bogga 25