فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها، وثبوتها ورضا الله ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم له بها، وانعقدت بمبايعة المسلمين له، واختيارهم إياه، اختيارا أسندوا فيه إلى ما علموه من تفضيل الله ورسوله، وأنه أحقهم بهذا الأمر عند الله ورسوله.
فصارت ثابتة بالنص والإجماع جميعا لكن النص دل على رضا الله ورسوله بها وأنها حق وأن الله أمر بها وقدرها وأن المؤمنين يختارونها وكان هذا أبلغ من مجرد العهد بها لأنه حينئذ كان يكون طريق ثبوتها مجرد العهد.
وأما إذا كان المسلمون قد اختاروه من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم فيما فعلوه، ورضا الله ورسوله بذلك، كان ذلك دليلا على أن الصديق كان فيه من الفضائل التي بان بها عن غيره ما علم المسلمون به أنه أحقهم بالخلافة، فإن ذلك لا يحتاج فيه إلى عهد خاص، كما قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. لما أراد أن يكتب لأبي بكر فقال لعائشة: ((ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمنى، ويقول قائل أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) (1) أخرجاه في الصحيحين
وفي البخاري: ((لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه، وأعهد أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون، ويدفع الله ويأبى المؤمنون)) (2) فبين صلى الله تعالى عليه وسلم أنه يريد أن يكتب كتابا خوفا ثم علم أن الأمر واضح ظاهر، ليس مما يقبل النزاع فيه، والأمة حديثة عهد بنبيها، وهم خير أمة أخرجت للناس، وأفضل قرون هذه الأمة فلا يتنازعون في هذا الأمر الواضح الجلي.
فإن النزاع إنما يكون لخفاء العلم، أو لسوء القصد وكلا الأمرين منتف، فإن العلم بفضيلة أبي بكر جلي، وسوء القصد لا يقع من جمهور الأمة الذين هم أفضل القرون، ولهذا قال يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، فترك ذلك لعلمه بأن ظهور فضيلة أبى بكر الصديق واستخلافه لهذا الأمر يغني عن العهد، فلا يحتاج إليه، فتركه لعدم الحاجة وظهور فضيلة الصديق، واستحقاقه وهذا أبلغ من العهد.
Bogga 60