إن أوقات البطولة هي بوجه عام أوقات الفزع، واليوم الذي لا يلعب هذا العنصر فيه دورا لا يشرق قط بالضياء. وأحب أن أقول إن ظروف الإنسان من الناحية التاريخية أحسن، إلى حد ما، في هذا البلد، وفي هذه الساعة، مما كانت عليه في أي وقت سبق؛ فأمام الثقافة حرية أوسع ، وهي اليوم لا تلاقي ضربة الفأس عند أول خطوة تخطوها بعيدا عن طريق الفكر المطروق، ولكن البطل يلاقي دائما الأزمات التي تختبر حدته. إن الفصيلة الإنسانية تتطلب أبطالها وشهداءها، ويتبع ذلك دائما اختبار القدرة على احتمال الاضطهاد. حدث من عهد قريب جدا أن لفجوي الجريء عرض صدره لطلقات الجماهير النارية من أجل حرية الكلام والرأي، ومات عندما بات من الخير له ألا يعيش.
لست أرى طريقا للطمأنينة الكاملة يستطيع المرء أن يسلكه سوى ما يشير عليه به قلبه. فليمتنع المرء عن كثرة الاختلاط، وليكثر من الإيواء إلى بيته، ويلتزم تلك المسالك التي يحب السير فيها. إن الاحتفاظ الدائم بالمشاعر البسيطة السامية في الواجبات الخفية، تدريب للشخصية على تلك الصفة التي تدفع المرء إلى أن يعمل بالشرف - إن اقتضت الضرورة - وسط الضجيج أو فوق المقصلة. أي اعتداء على الحقوق لحق بالناس فيما مضى قد يلحق بالفرد مرة أخرى، ويحدث ذلك بسهولة في الجمهورية، إن بدت أية علامة من علامات انحلال الدين. إن الشاب قد يصور لنفسه كيفما شاء، وعلى قدر ما يستطيع من هدوء الأعصاب، إنه عرضة للقذف الشديد، وللنار، ولعقوبة القار والريش، وللمشنقة، ثم يسأل نفسه إلى أي حد يستطيع أن يثبت إحساسه بالواجب، مواجها هذه العقوبات، كلما عن لعدد من الصحف ولجمع كاف من جيرانه أن يحكم على آرائه بأنها تثير الفتن والقلاقل.
قد يخفف من خشية المصائب في أشد القلوب حساسية أن يرى المرء السرعة الفائقة التي ترد بها الطبيعة أقصى ما يصيب الإنسان من شر. إننا سرعان ما نبلغ حافة لا يستطيع عندها عدو أن يلحق بنا:
دعهم يهذون؛
فأنت هادئ في قبرك.
في ظلمة جهلنا بما سوف يحدث، وفي الساعة التي تصم فيها آذاننا عن الأصوات العالية، من منا لا يحسد أولئك الذين ساروا بمحاولاتهم الجريئة حتى نهايتها الآمنة؟ من منا يرى وضاعة سياستنا ولا يهنئ من داخل نفسه واشنطن لأنه قد لف من زمن بعيد في كفنه وأمسى إلى الأبد آمنا، ولأنه أودع قبره في دعة، ولم يمت في قلبه بعد أمل البشرية؟ ومن منا لا يحسد أحيانا الأخيار والشجعان، الذين لم يعودوا يقاسون ضجيج العالم الطبيعي ، ثم لا ينتظر بشيء من الرضى والشغف النهاية الخاطفة لحديثه مع الطبيعة المحدودة؟ ومع ذلك فإن الحب الذي يريد الإنسان القضاء عليه - بسرعة تفوق خطف الغادرين - قد جعل الموت مستحيلا، وأثبت أنه ليس فانيا، ولكنه يستوطن أعماق الكائن المطلق، الذي لا ينطفئ نوره.
العقل
اذهب وعجل سير نجوم الفكر،
نحو أهدافها المضيئة.
إن الزارع يبذر بذوره في مكان فسيح،
Bog aan la aqoon