جوليتا :
أيها العبيد، إنه بوسعنا أن نشنقكم.
السيد :
هذا محتمل جدا، وبوسعنا إذن أن نشنق وأن نزدريك ...
هذه إجابات سديدة سليمة؛ فاللهو ثمرة من ثمار الصحة الكاملة وشعاع من ضيائها؛ لأن العظماء لا يرضون أن يتنزلوا حتى يأخذوا أي شيء مأخذ الجد. ينبغي أن يكون كل شيء مرحا كشدو الكناري، حتى إن كان تشييد المدن، أو إزالة الكنائس والأمم العتيقة، التي وقفت عقبة في سبيل الدنيا آلاف السنين. إن أصحاب القلوب الساذجة يلقون تاريخ هذه الدنيا وعاداتها كلها خلف ظهورهم، ويلعبون دورهم في تحد بريء لقوانين العالم المرعية. وأمثال هؤلاء يبدون لنا - إذا استطعنا أن نرى الجنس البشري مجتمعا في مشهد واحد - كصغار الأطفال يلهون معا. وإن كانوا في أعين الناس عامة يظهرون كأنهم يرتدون ثيابا من الجلال والوقار من نسيج أعمالهم ونفوذهم.
إن اللذة التي نجدها في هذه الحكاية الرائعة، وسلطان القصص الخيالية على الصبي الذي يمسك بالكتاب المحرم تحت مقعده بالمدرسة، وابتهاجنا بالبطل، هو الحقيقة الأساسية التي نهدف إليها، كل هذه الخواص العظيمة التي تفوق العقل ملك لنا. إذا نحن أمعنا النظر في نشاط الإغريق، وزهو الرومان، فما ذلك إلا لأننا قد طوعنا بالفعل هذه المشاعر عينها لأنفسنا. ولنفسح المجال لها في بيوتنا الصغيرة، فهي كالضيف العظيم. وأول خطوة ترفع من قدرنا هي أن نحرر أنفسنا من الملابسات الخرافية التي نلحقها بالأماكن والأزمنة، وبالعدد والحجم. لماذا ترن في الأذن هذه الكلمات: الأثيني والروماني وآسيا وإنجلترا؟ حيثما يكون القلب تكون آلهة الشعر، ويقيم الآلهة، ولا تكون في مكان من الأرض مشهور. إنكم تحسبون مساشوستس وكنكتكت والنهر وخليج بوسطن أماكن تافهة، وتحب آذانكم أسماء البلدان الأجنبية والكلاسيكية. ولكن ها نحن هؤلاء، وإذا تريثنا قليلا، فقد نتعلم أن هذا المكان خير مكان. ولا عليك إلا أن تضمن شيئا واحدا، وهو أنك هنا، ولن يختفي من الغرفة التي تجلس فيها الفن والطبيعة، والأمل والقدر، والأصدقاء، والملائكة، والكائن الأعلى. إن إبامينوداس، الشجاع المحب، لا يبدو لنا أنه بحاجة إلى أولمبس لكي يموت فوقه، وليس بحاجة إلى شمس سوريا المشرقة. إنه يرقد رقدة طيبة جدا حيث هو، كما أن جرسيز كانت أرضا طيبة تصلح لوطء واشنجطن، وشوارع لندن لقدمي ملتن. الرجل العظيم يجعل جوه في خيال الناس ملائما، وهواءه العنصر المحبب من بين الأهواء الرقيقة جميعا. أجمل البلاد ما يقطنه أنبل العقول. إن الصور التي تملأ الخيال عندما نطالع أعمال بركليز وزنفون وكولمبس وبايار وسدني وهامبدن تعلمنا أن حياتنا وضيعة من غير داع، وأننا بعمق العيش يجب أن نزين حياتنا بما يفوق الأبهة الملكية والقومية، وأن نعمل وفقا لمبادئ يهتم بها الإنسان والطبيعة على مدى أيامنا.
لقد رأينا أو سمعنا بكثير من الشباب الشاذ، الذي لم ينضج قط، أو الذي لم تكن أعماله في الحياة الواقعة شيئا غير عادي. ولكننا حينما نرى صورهم وسيماهم، وحينما نصغي إليهم وهم يتحدثون عن المجتمع، والكتب، والدين، لنعجب بتفوقهم. وكأنهم يلقون الازدراء على نظامنا الحكومي بأسره وعلى حالنا الاجتماعية. إنهم يتحدثون بنغمة العمالقة الشباب الذين بعثوا لإحداث الانقلاب. ولكنهم يمارسون مهنة عملية، فترى أجسامهم الضخمة قد تضاءلت إلى حجم الإنسان المألوف. إن السحر الذي استخدموه هو الاتجاه نحو المثل، الذي يجعل الأمر الواقع دائما مضحكا. ولكن الأرض الصلبة تعرف كيف تنتقم في اللحظة التي يكلفون فيها خيولهم التي صوروها من ضياء الشمس بحرث الأخاديد. إنهم لم يجدوا مثالا أو رفيقا لهم فخارت عزائمهم. ثم ماذا؟ إن الدرس الذي ألقوه في طموحهم الأول لا يزال صادقا. وسوف تهذب عقيدتهم ذات يوم شجاعة أقوى وصدق أنقى. ولماذا تشبه المرأة نفسها بأية امرأة أخرى في التاريخ، وتظن أنه إذا كانت سافو أو سفنييه، أو دي ستيل، أو حبيسات الدير ممن كان لهن ثقافة ونبوغ، إذا كان هؤلاء النسوة لم يشبعن الخيال أو يرضين ثمس الهادئة الرزينة، فإن واحدة غيرهن لن تستطيع ذلك، بله أن تكون هي؟ ولم لا؟ إن لديها مشكلة بكرا مستحدثة عليها حلها، وربما كانت من أسعد المشكلات التي ظهرت في الوجود؛ فعلى كل عذراء، معتدلة النفس، أن تسير في طريقها في رزانة ووقار، وأن تنعم النظر بدورها في كل ما يجتذب عينها، كي تدرك قوتها وفتنتها الفريدة في بابها، وقدرتها على بثق فجر جديد في ظلمات الكون. إن الفتاة الحسناء التي تأبى أن تخضع لمجموعة من المؤثرات المعينة المتجبرة، المؤثرات التي لا تعنى بإمتاع الآخرين، والتي تتصف بالعناد والتعالي، هذه الفتاة توحي إلى كل من يراها بشيء من نبلها. إن القلب الصامت يشجعها. أيها الصديق، لا تجعل للخوف إلى قلبك سبيلا! فإما أن تأوي إلى المرفأ عظيما أو أن تجوب البحار مع الله. إنك لا تعيش عبثا؛ لأن كل عين عابرة تبتهج وتتهذب بما تشاهد.
سمة البطولة المثابرة. لكل إنسان دوافعه الهائمة، وله نوبات من الكرم. فإذا اخترت نصيبك، اثبت عليه، ولا تحاول أن توفق بين نفسك وبين الدنيا في ضعف وخور؛ فأعمال البطولة ليست أعمالا عادية، وليست الأعمال العادية من أعمال البطولة. ومع ذلك فإن في نفوسنا من الضعف ما يجعلنا ننتظر عطف الناس على أعمال امتيازها إنها فوق مجال العطف، وإنها تنتظر الحكم عليها فيما بعد. إن أردت أن تخدم أخاك لأنه قمين بك أن تخدمه، فلا تسحب وعدك إن وجدت العقلاء من الناس لا يحمدون صنيعك. اثبت على عملك، وهنئ نفسك إذا أديت عملا غريبا فيه إسراف، وخالفت ما ألفه الناس في عصر يرعى التقاليد. سمعت مرة نصيحة غالية تهدى إلى شخص ما، وهي: «اعمل دائما ما تخشى عمله.» إن الشخصية البسيطة المسترجلة لا تحتاج البتة إلى تقديم الاعتذار، وإنما ينبغي لها أن تنظر إلى عملها الماضي بهدوء فوكيون، حينما اعترف بأن نهاية المعركة كانت سعيدة، ومع ذلك فإنه لم يندم على انصرافه عنها.
ليس هناك ضعف أو أمر فاضح لا نستطيع أن نلتمس له المعاذير في الأذهان، فتقول هذه طبيعتي، أو جزء من صلتي وواجبي نحو زملائي. فهل عاهدتني الطبيعة على ألا أظهر قط مثلبة أو أبدو مرة في صورة مضحكة؟ دعنا نسخو في كرامتنا كما نسخو في أموالنا. إن العظمة قد اكتفت برأيها في نفسها من زمان بعيد، وسوف تبقى كذلك إلى الأبد. ابذل صدقاتك، لا لأنك تحب أن تظفر بالثناء عليها، ولا لأنك تحسب أن لها قيمة كبرى، ولكن لكي ترضى نفسك. وسوف تعرف فيما بعد أن من الأخطاء الجسيمة أن يتحدث امرؤ عن صدقاته.
يبدو أنه من الزهو الذي تخص به الطبيعة الطيبة العامة أولئك الذين يعيشون في طمأنينة ووفرة أن يقولوا الحق، ولو في شيء من الخشونة، وأن يعيشوا في شيء من الاعتدال الصارم، أو في مبالغة من الكرم، وذلك دليل على إحساسهم بالأخوة للعدد العديد من الناس الذين يقاسون الألم. ولسنا فقط في حاجة إلى إحياء الروح وتدريبها باحتمالنا عبء التقشف، والاستدانة، والعزلة، وعدم القبول عند الجمهور، ولكنه يليق بالرجل الحكيم كذلك أن ينظر بعين جريئة إلى تلك المخاطرة النادرة التي تلحق بالناس أحيانا، وأن يعود نفسه أن تألف صور الأمراض المقذعة، وأصوات السباب، ومرأى الموت العنيف.
Bog aan la aqoon