Xulasho Sheekooyinka Ingiriisiga
مختارات من القصص الإنجليزي
Noocyada
وأخفتت الذكرى صوته، ومضت لحظة أخرى من الصمت، ثم عاد يقول: «وكنت كثير المال - مدنرا ومدرهما - وكنت أغنى فلاح في هذه الناحية فبنيت هذه الدار - بناها المسيو كلير مون أكبر مهندس في روان، وخريج مدرسة الفنون الجميلة بباريس - هو الذي شيد الدار لابنتي - بناها وأثثها، وجعلها لائقة بكونتيسة. حتى إذا عادت من الدير لتقيم معنا وجدت الدار جديرة بها، انظر إلى هذا يا سيدي! أترى أن أفخم قصور العالم يكون كثيرا عليها؟»
وأخرج كيسا قديما من الجلد الأحمر، وناولني منه صورة غادة ناعمة لينة في السابعة عشرة من العمر، وفي وجهها قسامة، وفي معارفها عذوبة ورقة. وكان الرجل معلق الأنفاس محتبسها وأنا أتأمل الصورة، ثم ألح علي يسألني: «أليست ظريفة؟ أليست جميلة؟» وكأنه يناشدني أن أعطف عليه وأرق له فأشاركه في ثنائه. وقد أجبت بما وسعني، بخير ما قدرت عليه، فأعاد الصورة بيد مرتعشة إلى كيسها، وأخرج من ناحية أخرى من الكيس بطاقة صغيرة بيضاء، عليها ما اعتاد الفرنسيون أن يحفروه على قبورهم - صورة الصليب، وحمامة - تحتها ما يأتي:
يولالي - جوزفين - ماري ليرو. ولدت في 16 مايو/أيار سنة 1874، وتوفيت في 12 أغسطس/آب سنة 1892. صل لها.
وقال: «الله يعرف ما هو صانع. لقد بنيت هذه الدار لبنتي، فلما تم تشييدها اختارها الله إلى جواره. وقد ذهب بعقلنا الحزن - زوجتي وأنا - ولكن هذا ما كان ليردها إلينا. وما يدريني؟ لعل عقلنا ما زال مذهوبا به من الحزن. فما نستطيع أن نفكر في شيء آخر. وما نحب أن نتكلم عن شيء آخر. ولم نستطع أن نعيش في البيت - بيتها - وهي ليست فيه ولم يخطر لنا قط أن نؤجره. لقد بنيته لابنتي، وفرشناه وأثثناه لها، فلما جهزناه ... ماتت. أليست هذه قسوة يا سيدي؟ وكيف أؤجر البيت للأغراب؟ ولكني منيت في المدة الأخيرة بخسائر، فأنا مضطر أن أؤجر البيت لأقضي ديني. ولكني لا أستطيع أن أؤجره لأي إنسان. وأنت إنجليزي. ولو كنت لم أرتح إليك لما أجرته لك ولا بمليون من الجنيهات الإنجليزية. ولكني مغتبط بأن كنت أنت المستأجر. وستحترم ذكراها، وستأذن لنا في الاحتفاظ بتلك الغرفة - غرفتها - وسندعها كما هي، بما فيها من الأشياء. نعم، هذه الغرفة التي حسبتها مسكونة، كانت غرفة بنتي.»
وكانت السيدة ليرو تنتظرنا في الحديقة، فرفعت عينها إلى زوجها مستفسرة فهز رأسه وقال: «كل شيء على ما يرام. السيد موافق.»
فتناولت المرأة يدي وهزتها هزا عنيفا وقالت: «آه يا سيد! إنك رجل طيب.» ورفعت عينيها إلي ولكني لم أستطع أن أنظر فيهما، فقد كان الحزن الذي يطالعني من نظرتهما أهول وأقدس من أن أمتهنه بالنظر إليه. •••
وصرنا أصدقاء أصفياء، في الشهور الثلاثة التي قضيتها في البيت. وكانت السيدة ليرو تتعهدني، وترعاني، وتبرني وتسرني، كأنها أمي. وكان كلاهما - كما قال السيد ليرو - يؤثر أن يجعل ابنته موضوع حديثه، وكنت أصغي إليهما بغير نفور أو ملل، فقد كان في حزنهما عليها، ودوام تفكيرهما فيها جمال عميق الوقع في النفس، وكان يخيل إلي أن طيف الفتاة يرود البيت، البيت الذي بناه لها الحب وهو لا يدري أن الموت سيعدو عليها ويغولها منه، وكانت المرأة لا تمل أن تقول لي: «آه يا سيدي، إن من بواعث السرور لنا أن تركت لنا غرفتها.» وقد صعدت بي مرة إلى الغرفة، وأرتني ثياب يولالي، وحليها، وكتبها المجلدة الجميلة التي فازت بها تجزية لها، على اجتهادها في الدير. وفي يوم آخر أطلعتني على رسائل يولالي وسألتني عن خطها أليس جميلا؟ وعن عبارتها أليست حسنة؟ وعرضت علي صورا لها في كل سن، وخصلة من شعرها وملابسها في حداثتها، وشهادة الأسقف، ورسائل من راهبات «القلب المقدس» بروان، تصف تقدم يولالي في الدرس والتحصيل، وتطري سلوكها وأخلاقها، وكانت المرأة ربما غلبها الحزن فتقول، وكأنها لا تصدق ما حاق بها من الفقدان، وما منيت به من الخسارة: «وتصور أنها ذهبت! تصور هذا!» ثم تعود فتقول همسا بلهجة الاستسلام لقضاء الله: «إنه هو أدرى بما يصنع!» وترسم الصليب على صدرها!
وفي الثاني عشر من أغسطس - يوم ذكرى وفاتها - صحبتهما إلى كنيسة القرية حيث أقيمت الصلاة على روح يولالي، وبعد انتهائها جاء القسيس الطيب إليهما وضغط يديهما، ورفه عنهما بكلمات عذاب. •••
وفي سبتمبر/أيلول بارحت البيت عائدا إلى دييب. واتفق عصر يوم أن التقيت في الطريق الأعظم لهذه المدينة بقسيس القرية، فوقفت معه قليلا نتحدث عن ليرو وامرأته، وطيب نفسيهما، وحزنهما على ابنتهما فقال القسيس: «لقد كان حبهما لها شيئا فوق الحب. كان عبادة، وتأليها. وما رأيت في حياتي الطويلة مثل هذا أو ما يقرب منه. وقد خفت عليهما، لما قضت نحبها، أن يذهب عقلهما. فقد كانا مذهولين ... غائبين عن الوعي. ولبثا مدة طويلة كالمجنونين. ولكن الله رحيم، فقد تعلما أن يعيشا ومعهما مصابهما.»
فقلت: «إن في احتفاظهما بذكراها، وعبادتهما لها، لجمالا. وما أظن بك إلا أنك تعرف أنهما أبقيا غرفتها وفيها أشياءها، كما تركتها ... هذا فيما أرى جميل ... رائع.»
Bog aan la aqoon