ضخم العقل والذكاء، ضخم العلم والتفكير، ينال بالنظرة الأولى ما لا ينال غيره إلا بشدة الجهد والمطاولة، وطول التفكر والتدبير، بل لقد يدرك بهذه النظرة ما لا يدركه غيره إلا بقائد ودليل، فهو رجل كأنه قد سفرت له وجوه الحقائق، وبذلت لعينيه ذات السرائر، ونفضت بين يديه ما أجنت في أطواء الضمائر، فما يغيب عن لحظه خافيها، بل لقد أضحى أدق نظريها
5
لعلمه بديها، وكأن المتنبي قد عناه بلحظ الغيب حين قال:
ومن خلقت عيناك بين جفونه
أصاب الحدور السهل في المرتقى الصعب
فإذا جاءك، بعد هذا، أنه أدق الناس تفكيرا، وأعمقهم بحثا، وأكثرهم إصابة، فلا يروعنك مع هذا أنه أكثرهم إنتاجا، وأوفرهم آثارا، فقد رأيت أن عبقريته لا تعيا بشيء، ولا تجهد في الطلب بطول الاستقراء والاستخبار، وما حاجته إلى هذا وقد راض الله تعالى لذهنه الحقائق ويسرها له، حتى لكأنها هي التي تتزاحم لديه، وتتهافت عليه؟ •••
كريم الطبع، سمح النفس، عالي الهمة، ما عاذ إنسان بجاهه إلا أعاذه ما دام أهلا للبر والعطف، وإنه ليسأل المعروف فيعد وعدا فاترا متحيرا بين الأسباب والعلل، فتنصرف عنه وقد يئست اليأس كله من بره بك وسعيه لك، ثم لا يروعك إلا أن تعلم من غيره أنه لم يبق في قوس الهمة والجد في السعي منزعا، حتى يصل شأنك أو يقطع برده القدر، يفعل هذا وهو حريص أشد الحرص على كتمانه عنك، حتى لا يثقل عليك بالشعور بالمنة لطول ما جهد لك وأبلى في شأنك، ولقد تتقدم إليه لتشكره، وقد تعتب عليه إسرافه في بذل جهده، فيعاجلك بصرف الحديث إلى شيء آخر، فإذا ألححت فيما كنت فيه وأبيت إلا ترديدا له، هون الخطب عليك وأكد لك أن أمرك لم يجشمه من الجهد كثيرا ولا قليلا! يقول هذا مقال الواثق المطمئن الذي لا يتكلف شيئا في إخفاء يده وإنكار فضله! •••
هذا «هو» وتالله ما يمنعني من التصريح عن اسمه إلا اتقاء غضبه؛ فتلك لعمري التي لا هوادة لغضبته فيها ولا إسجاح،
6
على أنني غني عن أن أسمي الشمس ليعرف الناس أنها الشمس!
Bog aan la aqoon