إذن لقد أصبح مهمنا الأعظم اليوم هو استثمار تلكم الثروة الواسعة في تجلية شعورنا، والترجمة عن عواطفنا، والتعبير عن كل ما يلامس حسنا نحن فيما جل ودق من أسباب هذه الحياة، وبهذا نصل ماضينا بحاضرنا، وبهذا ندرك ما ينبغي لنا، لا من أدب عربي فحسب، بل من أدب قومي يطلق عليه التاريخ: أدب مصر، وهذا هو الجهد الجبار الذي يعانيه رجالات الأدب في مصر اليوم، وكثير منهم ماثلون في هذا المجلس الكريم.
ولكي أكون متسقا مع نفسي أقرر أننا لا نحاول أن نخلق لنا أدبا مصنوعا؛ بل إننا نتقرى هذا الأدب الذي يواتي عقليتنا، ويشاكل إحساسنا، ويرضي أذواقنا في هذا العصر الذي نعيش فيه، فنحن بهذا إنما نروض الأدب على حكم الطبع، ولا نروض الطبع على حكم الآداب!
التجديد، ما هو؟
ولست أختم هذا الكلام دون أن ألم بمسألة كانت في هذه الأثناء، ولعلها ما برحت، من شغل الأدباء، وهي مسألة «التجديد ».
هنالك معركة مستحرة بين التجديد وأنصاره، وبين القديم وأوليائه، وأرجو أن تصدقوني إذا ادعيت بين أيديكم أنني إلى هذه الساعة لم أتبين وجه الخلاف الحق بين المتناضلين، على أنني أرجو أن نتفق في القريب على أن الأدب أيضا كائن حي يجب أن يشب وينمو ويتطاول إلى ما قدر له من كمال، على ألا تتنكر صورته، ولا يخرج عن شخصه.
مستقبل الأدب
سيداتي، سادتي
قدمت لكم أننا أبناء العرب قد تعارفنا بعد تناكر، وتلاقينا بعد تهاجر، واجتمعنا بعد فرقة، وتآلفنا بعد طول وحشة، على أننا لم نقنع بهذا، فلقد كان لاستيثاق الصلات بيننا وبين الغرب أثره في شدة إقبالنا على أدبه وتروينا منه، وطبع كل ما يسوغ طبعه على غرار أدبنا حتى ليمكن لهذا العصر أن يسجل ما أصبنا سواء في وسائل النقد أو في طرائق التفكير، وإن تعاون رجال العلم في بلادنا اليوم مع إخوانهم من الغربيين لعلى هذا من بعض الدليل.
وإنني لأرجو، بفضل أدبائنا العظام وقوة جهودهم، أن يفسح الأدب العربي لنفسه المكان الكريم بين سائر الآداب العالية، لا ليدل على نفسه فحسب، بل ليساهم، بحظ كبير في حركة الفكر، وفي تنعيم الذوق الإنساني في العالم المتحضر كله.
حيرة الأدب المصري!1
Bog aan la aqoon