الأسطى خليل هذا كان حوذيا عندنا من أكثر من خمس وعشرين سنة، ولعله لم يلبث أكثر من ستة أشهر، ثم أراحنا الله منه وابتلى به سوانا، ثم صار أمره إلى مركبة أجرة، فثبت له علي بهذه الأشهر الملعونة حق! ولكنه حق غريب جدا لم يدعه أحد على أحد، أتدري ما هذا الحق؟ هو أنني لا بد أن أركب مركبته متى شاء هو، وفي أي وقت شاء وله في ذلك وقائع تخرج المرء عن جلده، من ذلك أنه يعلم أنني كنت أجلس في صحابي ولداتي في مقهى في شارع خيرت، نقضي شطرا من الليل في الحديث والسمر، فإذا كان هو «فاضي»، أسرع فجاء إلى المقهى، ووقف بمركبته بإزائي، واتكأ على يمينه، ومد وجهه إلي، حتى تكاد لحيته الطويلة تصل إلى جبيني، وحدد في نظره، ونطق صنيعه كله بفصيح العبارة: أن قم فاركب، وقد لا أكون استويت إلى مجلسي إلا من بضع دقائق، فلا أرى لي حيلة إلا أن أقوم فأتحول إلى أحد مجالس المقهى على الشارع الثاني، فيبعث خيله ويتحول هو الآخر حتى يقف بإزائي، ما يريم ولا يتحلحل، فلا ينقذني منه إلا أن أسلم لله أمري، فأركب معه ليعود بي إلى الدار، لأنني إن مضيت إلى مكان آخر، تبعني بمركبته وظل ثابتا بإزاء مجلسي حتى أركب أيضا، وإما أن أمضي في مجلسي وأنا من الغيظ والحنق على حال لا يعلمها إلا الله تعالى!
وهكذا ما لقيني في طريق إلا اعترضني، وسألني أن أركب معه، ولا رآني في «الترام» إلا وقف بإزائي، ومن أحدث نوادره معي أنني في صباح يوم صفا أديمه، واعتل نسيمه، رأيت أن أشخص إلى الديوان سعيا على قدمي، وفعلت مغتبطا مبتهج النفس، حتى إذا كنت بإزاء وزارة الحربية، إذا بالأسطى خليل يطلع علي «بخيله ورجله»، ويناديني: «آجي أوصلك للديوان؟»، فهاجني الرجل وحرك حفيظتي وخبث نفسي، وكدر صفوي، وأفسد علي يومي، وقلت له وأنا أكاد أتميز من الغيظ: أجئت أيها الرجل من بيتي في أقصى شارع زين العابدين إلى هنا في التماس عربة تبلغني هذه الستين مترا؟ أتظن أنني طول هذا المدى لم أصب مركبة واحدة؟ حقا إنك بارد، ومضيت لطيتي، ولا حول ولا قوة إلا بالله! •••
فإذا لم يكن إدخال هذا الحوذي المؤذي في مشروعات الردم،
1
فلنتوجه بالعياذ إلى قلم المرور، وإلا فقد طابت الهجرة حتى يقضي فيه القضاء، ويريحني الله من كل هذا البلاء!
عشاء!
قهوة اللواء، وإن شئت فبار اللواء، وإلا فمطعم اللواء، هو ناد أو شبه ناد لا يكاد يتغشاه في النهار إلا جماعات من أرباب الأعمال، فإذا كان الليل فجماعة من أهل الفضل والأدب، يجتمعون للأسمار وتبادل ألوان المفاكهات، ويتصل بهذه القهوة مطعم كامل الآلة، وقد حدثني صديق يختلف إلى هذا الموضع قال: كنا ليلة أمس جلوسا مع الصحب نأخذ في حديثنا وسمرنا، فإذا رجل من هؤلاء الذين يصبهم القدر على رواد القهوات: منتفخ الشدق، حاد الوجه، يتأبط أداته في الحياة، وما أداته إلا رزمة من الجرائد الجديدة والمجلات القديمة، يدعي بحملها العلم والأدب والفلسفة والسياسة «وكل شيء»! وسلم في تظرف مكروه وأدب مبتذل، وجر له كرسيا وحشر نفسه في الزمرة حشرا، ومن باب ما يدعونه «باللياقة» صفق أحدنا فجاء الغلام، فأومأنا إلى «الأفندي»، وسألناه عما يطلب «سادة، أو بسكر شوية»، وقد جرت العادة بأن يعتذر ضيف القهوة أولا، فإذا ألح المزور فقهوة أو شاي مثلا، فإذا كانت الألفة متمكنة، «فكازوزة»، أو ما يقرب ثمنه من ثمن الكازوزة، مما لا يعدو الثلاثة القروش أو الأربعة على أضفى تقدير، بعد هذا أتعرف ماذا طلب صاحبنا الذي لا نعرفه؟ لقد طلب واحد ... عشاء
dinner !
قرحة البطن!
باديتك في مستهل هذه «اليوميات» بأنني لا أترحم في يومي إلا عن الخاطر الذي يشغلني فيه، والإحساس الذي يملكني، ولو خرج كلاما فارغا، وعلى هذا أثبت لك اليوم كلاما كما أثبته من قبل في كثير من هذه «اليوميات».
Bog aan la aqoon