296

كان رحمه الله، طويل القامة، ليس بالبدين ولا بالهزيل، مستطيل الوجه، شديد حمرته، لو نضا عنه عمامته لخلته من أبناء التاميز، تدور حوله لحية دقيقة بيضاء، لا أثر في شعراتها لسواد، أزرق العينين، رقيق الحاجبين، مقوس الأنف، ولعلك في غير حاجة إلى من يزعم لك أنه لم يكن دقيق الفم، وكيف يتصور له هذا، وفمه هو سبيله إلى ذهاب صيته، وشيوع ذكره، وخلود اسمه؟!

وكان ضخم الصوت، إذا تحدث أحسست أن صوته إنما يجيء من أقصى حلقه!

ثم لقد كان حسن السمت، نظيف الثوب، فاخر البزة، لا يلبس القباء إلا من صنع الحمصاني، ولا يفصل الثياب إلا عند أشهر الخياطين، فإذا كان الصيف وضع عليه الجبة من الحرير المتموج (موريه) المعروف عند أولاد البلد «بالألاج».

وترى في إصبعه خاتما كبيرا من الماس النقي، فإذا اقتحم به مهرجان العرس وتساقطت عليه أضواء الثريات، تموجت من حوله ألوان الطيف، وبرقت من أقطاره أشعة تكاد تخطف الأبصار!

وبعد، فلقد كان إلى هذا التأنق والتجمل، عذب الروح، فكه الحديث حسن المحاضرة، حلو المنادمة، حاضر النكتة، عالما بأخبار الناس، محيطا بصفاتهم وأسبابهم وشمائلهم، يحدثك عن أجوادهم وبخلائهم، ومن يهش للأضياف منهم، ويتبسط على طعامه معهم، ومن يغلق دون الضيف بابه، ويقيم عليه إذا حضر الغداء أحراسه وحجابه، ومن يخفت نشيش

1

اللحم حتى لا يسمعه الجار، ويكتم ريح القتار

2

فلا تشمه القطة، ويضل بلطف حيلته النمل عن موضع السكر في البيت.

وإنه ليحدث عن عادة كل عين من أعيان البلد في طعامه وشرابه، ويعرف ما يؤثر من ألوان الطعام وما يكره، وكم يقرب إليه من الصحاف في غدائه وفي عشائه، ووظيفة مطبخه من اللحم والطير في كل يوم، وكيف يطهي له طاهيه، وأي الألوان يحذقه ويجود فيه، وما الذي يعالجه بالسمن، والذي يعالجه بالزيت أو الخل، وماذا يشوى منه وما يقلى، وما تذكى له النار وما تخبى، وما يكمخ منه ويتبل،

Bog aan la aqoon