والواقع أن الأمر، لو جاز به النظر لا يبعث على كثير ولا قليل من العجب، فإن رجال القلم هم، من صدر الزمان، المتعارفون المتواصلون المتعاونون، وإن تراخت بينهم الديار، يلتقون كل حين في حلق الدرس، وعلى متون الصحف، وفي بطون الكتب، يلتقون لا بصورهم وأشباحهم، بل بعقولهم وأرواحهم، فإذا كان تعارف غيركم وتعاونهم أثرا لاجتماعهم واتصالهم، فإنما يكون اجتماعكم أنتم أثرا لتعارفكم، وتعاونكم، فاتصالكم اليوم، على تفرق أصنافكم وألسنتكم وأهوائكم، إنما هو من تسجيل الأمر الواقع لا أكثر ولا أقل.
وهذا هو الاجتماع الذي لا تقوى على تصديعه يد الزمان!
سيداتي، سادتي
لم تكن ثمار الفكر ملك أمة ولا خلصا لوطن، ولا حكرة لخلق من الناس، أفرأيتم كيف اجتمع لنادي القلم ، في كل هذا اليسر، مع المصريين أصناف شتى من الغربيين؟ وكيف استوت السيدات في مجالسهن أثناء الرجال؟ بل كيف توافى له من عسى ألا يجمع بينهم من مذاهب الحياة إلا صنعة القلم؟ أفرأيتم إذن صلة أوثق من هذه الصلة، ورحما أبر من هذه الرحم؟ •••
بعد هذا، لقد أقبلت على نفسي أسائلها: لماذا آثرني بعض إخواني بالدعوة إلى إلقاء أول كلمة في أول اجتماع لنادي القلم؟ ولماذا كلما زدتهم اعتذارا زادوني إلحاحا حتى لم أجد لي من المطاوعة، بظهر الغيب، مفيضا؟
لقد أقبلت على نفسي أسائلها، وكلما استصعبت وتعذرت علي في الجواب زدتها كذلك إلحاحا حتى طاوعتني هي الأخرى، فإذا الجواب الذي استراح إليه فكري أن العادة جرت بأنه إذا انتظمت مواكب الجيش تقدم الأحدثون، فالذين من فوقهم درجة، وهكذا حتى يخلص آخر صف للقادة العظام، وما لي وللعسكرية وقد سلخت في منصب القضاء دهرا، وآداب القضاء تجري بأن يبدأ باستخراج الرأي من أحدث الجالسين جميعا.
إلى هذا المعنى استراحت نفسي، وعلى هذا الاعتبار تقدمت إلى إلقاء أول كلمة في هذا الاجتماع الكريم.
ولست بالضرورة، أعني بالحداثة الحداثة في السن، وإلا لكنت من آخر من يتكلم فيكم جميعا!
الأدب عرض يتلون ويتكيف
سيداتي، سادتي
Bog aan la aqoon