267

ومن عجب أن يموت أحمد ندا في نفس اليوم الذي يموت فيه حافظ إبراهيم فيضرب هذا البلد في يوم واحد ضربتين قاسيتين حتى على أغنى البلاد وأحفلها بعظماء الرجال!

ومن أعجب هذا العجب أن هذين الرجلين، وإن اختلفت فنونهما وتفارقت في أبواب العظمة وسائلهما ، كانت تجمع بينهما خلة جليلة الخطر بعيدة الأثر، وهذه الخلة هي شعور كل منهما أبلغ الشعور بالكرامة في فنه، وأن أحدا منهما لا يطيق أن يبرعه أحد أو يسبقه إنسان، إذا استن الأقران في حلبة السباق!

نعم؛ وليرددها القارئ عني كما يشاء! ليست الموهبة وحدها هي التي ارتفعت بكلا الرجلين إلى هذا المكان، فلقد كان الشعور بالكرامة، ومواتاتها بغاية ما يترامى إليه العزم والقوة أثر جليل فيما بلغا من المنزلة وبعد الصيت في جمهرة النابغين.

ولنكسر القول هذا اليوم على الشيخ ندا، فلصديقي حافظ بعد كلام طويل.

كان الشيخ أحمد ندا عليه رحمة الله ربعة القوام، مكتنز اللحم وإن ترهل لحمه في غاية العمر بتراخي السنين، وكان وجهه أشبه بمربع متحيف من زواياه الأربع؛ على أنه كان قسيما حلو العينين ، حلو الفم على فوه فيه قليل، تضرب في بياض لونه صفرة لا أدري إن كانت من الخفة أو من مرض طارئ دخيل.

وكان إذا تحدث تفخم عليه اللفظ، فخرجت تاؤه بين التاء والطاء، وخرجت زايه بين الزاي والظاء، وسينه بين السين والصاد، وهو بعد حسن السمت، حسن الدل، متأنق الهندام، يكور عمامته على نسق خاص يترسمه فيه كثير من المعممين، وخاصة جماعة القراء.

وكان، أثابه الله، كأمثاله العظماء بالحق، جم التواضع، وافر الأدب، لا يذكر الناس - إن هو ذكرهم - إلا بالخير، عظيم التوافي لمن يعرفهم، طلاعا عليهم ما اعتراهم المكروه. •••

كان أبوه، ويدعى الشيخ أحمد ندا أيضا، مؤذنا في مسجد السيدة زينب رضي الله عنها، ولم يكن صوته - على ما انتهى إلينا من خبره - على حظ من الملاحة؛ ولكنه كان جهيرا قويا يبالغ من سمعوه في قوته وجهارته إلى الحد الذي لا يسيغ روايته الرجل المربئ، ولقد شهدنا الشيخ أحمد ابنه وسمعناه وعرفنا ما أوتي من قوة في الصوت لعلنا لم نسمع مثلها إلا من الأقل من القليل، إذن فقد زلت

2

له هذه الخلة بالميراث عن أبيه.

Bog aan la aqoon