Bulshada Rayidka ah iyo Dhaqanka Isbeddelka: Aragti Dhaliilaysa Fikirka Carabta
المجتمع المدني وثقافة الإصلاح: رؤية نقدية للفكر العربي
Noocyada
تتراوح حركة المجتمع ما بين حافز إلى التغيير، تغيير الواقع ومواجهة تحدياته ضد كل أسباب التحلل وفقدان الذاتية، وما بين نكوص أو ردة إلى أصول، وهذه الردة هي ميكانيزم أو آلية دفاعية عن الذات بسبب تعذر أو تعثر المواجهة وفقدان أدواتها، وتكون الكارثة أشد حال فقدان الوعي العقلاني النقدي بالأصول والعيش في جمود، والشعب المصري في حالة الأبارتهيد أو العزلة والفردية والخصاء الثقافي لتاريخه وتجريده من مقومات الفعل والعطاء والانتماء، وهي حالة فرضها عليه جميع الغزاة، عاش محروما من الأمرين معا، عاطلا من إمكانات التغيير والمواجهة، وعاطلا من الوعي بالتاريخ وبالتضامن الاجتماعي الذي يشكل ملاذا ووقاء، إلى حين، وقت الضعف أو يكون عند الصحوة ركيزة للوعي النقدي العقلاني لتحويل الماضي إلى قوة دفع جمعي، وهكذا عاش قرونا مأساة لا مثيل لها من حيث بؤس الواقع وبؤس الوعي التاريخي.
نحن لم نصنع تاريخا على مدى أكثر من ألفي عام، والوجود الإنساني جوهره تاريخ، وهو تاريخ وعي اجتماعي له مردوده العرفاني، وهو فعل أبناء المجتمع الأصليين ونشاطهم وإنتاجهم باعتبارهم شركاء متضامنين لا شركاء موصيين، وبدون ذلك يبدو التاريخ مجرد امتداد، طالما افتقر إلى الفعل الواعي، أو الفعل والوعي معا باعتبارهما وجهين للوجود المجتمعي.
والتاريخ صناعة أو إنتاج الذات الاجتماعية لنفسها في إطار التحديات من أجل البقاء والوعي بالذات، وهو الخلق الموضوعي للذات الاجتماعية، وإذا غاب الوعي، غاب الفعل الهادف، وركد التاريخ أو انمحى، ولكن المصري عاش في حالة آنية متصلة، همه الخلاص الفردي هربا أو تملقا أو كدحا، فكل الغزاة حلوا عليه سادة استوطنوا الأرض وعاشوا بغير انتماء إلى التاريخ أو الفعل الاجتماعي الجهيض أو إلى العقل المصري الأسير، وإن اعتادوا على مدى تعاقب موجاتهم طوال آلاف السنين أن ينزح المهزوم منهم إلى داخل الصفوف، ولكن ماذا أثمر التسلط الأجنبي؟ وما هي الآثار الثقافية على المجتمع بفعل غزوات وعمليات استيطان واسعة لجماعات بشرية غريبة أو مغتربة.
إن الذاتية الإنسانية بفضل التاريخ - أي بفضل الفعل الحر - تغدو أكثر ثراء معرفيا، ومن ثم ارتقاء حضاريا يستوعب الماضي ونشاط الحاضر ورؤى المستقبل، ويفسر لنا هذا حالة فقرنا، الفقر الفكري والتاريخي والوعي البائس، وهو ما نسميه إيجازا التخلف وتعطل إرادة التغيير، وحين يدخل الماضي مجال الوعي العقلاني النقدي، فإنه يحرك فينا نوازع الفعل والتغيير وإنتاج الوجود ومواجهة التحديات، لأن الماضي بدون وعي به هو الغريزة وحياة الآنية والفناء في اللحظة الراهنة، ونفي للهدف والأمل والتطلعات على الصعيد المجتمعي، ولهذا نقول إنه مع سقوط الحضارة المصرية لم يعد الوجود المجتمعي للإنسان المصري بمثابة مشروع حر يستمد حريته من العمل الإنساني والخبرة الحياتية المجمعة، بل أضحت الحرية حرية فرد في الطاعة والانصياع، ولم يعد التاريخ تاريخ فعالية، أو فعل الإنسان/المجتمع، بل أسقط الفعل ولم يبق غير الحيلة أو التحايل على المستوى الفردي، أو التوحد مع السلطان، وهذا هو جذر الفهلوة. (4) الاهتراء الثقافي
المجتمع المصري طمست صورته المشتركة أو الجماعية إثر سقوط حضارته وإهدار ثقافته التي هي حصاد وعيه المعرفي في التاريخ، لم يعد بالإمكان أن يدرك الإنسان المصري كمجتمع نفس الأشياء وفق ذات الإطار الموحد باعتبارها واقعا مشتركا، إذ بات الواقع فرديا، ومع اختفاء إحساسنا بواقع مشترك، وبقضية مشتركة قومية فقدنا أداتنا الوسيطة المشتركة، وفقدنا الحافز المشترك، والهم المشترك للتعبير وتواصل الخبرات، تشرذم المجتمع إلى تجمع سكني، ومع تمزق الشمول المجتمعي، ومع فقدان الخبرة الفردية لخصوصيتها الكلية، أي العامة المشتركة تحللت الثقافة إلا من أساطير، وتفكك التضامن الاجتماعي أو ساد مناخ الاهتراء الثقافي.
انتفى مناخ العمل الجمعي الموحد وقواعده، مما أفضى إلى حالة أنوميا أو خواء اجتماعي؛ إذ لم يعد الوجود الفردي راسخ الجذور في وسط اجتماعي ثابت ومتكامل وموحد، وفقدت الحياة معناها الذي يضفيه عليها الإنتاج الاجتماعي، وفقد النشاط دلالته وهدفه، وانتفى النشاط الفكري المجتمعي، فالغنى الروحي لا يتأتى بدون عمل جمعي للإنسان/المجتمع، لأن هذا العمل يصنع الأمل، ويحفز إلى التغيير والإبداع إذ يعبر في صورة مجسدة عن قدرة الإنسان على التأثير والخلق ومن ثم الثقة بالنفس.
ولعل في هذا إجابة على سؤال إذا كانت مصر لها فخر الريادة والسبق الحضاري فلماذا توقفت عن العطاء؟ وفي هذا أيضا بيان للفارق بين عمل جمعي إنتاجي في اتصال تاريخي، وبين عمل فردي هو الكدح بعينه، وقد سقطت عنه رابطة المجتمع، والعمل الذي فقدته مصر هو الإنتاج الجمعي الذي يجسد الخبرة الإبداعية والمهارة الاجتماعية وقيم المجتمع في التاريخ، ويرمز إلى وحدة المجتمع وتضامنه وإلى عناصر تميزه، أو تمايزه في إطار أيكولوجي تاريخي؛ لأنه رهن السياق البيئي في شموله جغرافيا وتاريخيا وثقافيا أو إنسانيا بوجه عام، ولهذا يقترن جمود المجتمع بجدب عرفاني وتحلل ثقافي. (5) النشاط المجتمعي شرط إنتاج المعرفة
إن إنتاج أبسط الأدوات يشتمل ضمنا على إنتاج معرفة ومهارات وقيم، أو بعبارة أخرى إن الأداة هي معرفة ومهارات وقيم مجسدة في موضوع أو شيء، والعمل والإنتاج من حيث هما نشاط جمعي منهجي هادف ومنظم، ومن حيث هما صياغة وحلول لمهام وإنجازات لأهداف محددة مجتمعيا، جرى إعدادها فكريا قبل نتائج العمل واستجابة لمهام العمل واتساقا مع وسائله، أي كانت موضوع تأمل وتحليل وتفكير ومحاولة وخطأ وتنظير وتراكم معرفي تاريخي ومراجعة قيمية، فإنهما بذلك كله يمثلان أنشطة لكائن، أو مجتمع قادر على المعرفة ويمتلك وعيا أو عقلا بالمعنى الاجتماعي التاريخي لمصطلح الوعي.
وفي ضوء هذا نقول: إن الحدث التاريخي هو فعل إنساني اجتماعي، ونشاط مجتمعي هادف يترسب في الوعي كخبرة تاريخية للمجتمع تتراكم، ليس كميا، بل يتمثل تراكمها في تطور كيفي للمعرفة والسلوك والإنجازات، معرفة متطورة متباينة هي الإبداع في تفرده الثقافي المعبر عن خصوصية أيكولوجية للإنسان/المجتمع/البيئة في التاريخ وما يفرضه هذا السياق من مهام وتحديات للبقاء.
ولهذا أيضا نقول: إن الحدث التاريخي المجتمعي حدث هادف لا يحدث بسبب، أعني ليس مجرد رد فعل ميكانيكي شأن الحدث في الطبيعة، وإنما يحدث من أجل، لا يصنعه الماضي لزوما واضطرارا ميكانيكيا، بل يصنعه المستقبل، أي الهدف الاجتماعي حين يكون المجتمع نشطا فعالا له فكره ورؤيته، وبذا يكون الفعل الإنساني أو لنقل التاريخ في اتصاله هو مشروع وجود وليس مجرد أحداث أو وقائع متجاورة أو متعاقبة، ولا مجرد نتيجة لفعل خارجي، وهنا يتكامل جدليا الفعل الإنساني المجتمعي والنشاط المعرفي حيث تكون المعرفة هي حصاد سياق النشاط الإنساني في المجتمع، وجماع التطور والنمو في التاريخ أو الزمان وتكون حافزا لفعل اجتماعي جديد، ويشكلان معا وعي الإنسان في التاريخ، ورؤية المجتمع للذات والمستقبل.
Bog aan la aqoon