Bulshada Rayidka ah iyo Dhaqanka Isbeddelka: Aragti Dhaliilaysa Fikirka Carabta
المجتمع المدني وثقافة الإصلاح: رؤية نقدية للفكر العربي
Noocyada
وذهبت في الكتاب إلى أنه لا يوجد فكر اجتماعي عربي، وإنما خطاب عربي، وسبب ذلك تعطل فعل الإنتاج العربي، ومن ثم تعطل الفاعلية الجدلية بين المجتمع باعتبارها قوة إنتاج، وبين الفعل والفكر، وما يتبع هذا من تطوير مادي ومعنوي، تقاني وفكري وتطوير للرصيد الثقافي الموروث ليكون قوة داعمة، وتطوير للغة اتساقا مع الفكر الجديد، وإن فعل التطوير الحضاري هو الذي سيلقي ضوءا كاشفا ويفرض شروطا وجودية تستلزم تغيير سلوكيات وعلاقات وأوضاع من أجل ضمان نجاح التكيف، مثل محو الأمية الأبجدية والثقافية وتعلم لغة الحاسوب وثقافته، وتطوير لغتنا وحل أزمة المصطلح العلمي والهيكلة المؤسسية لأنشطة المجتمع، والإسهام الإيجابي في حضارة العصر بوصفها قوى فاعلة، وإنما الفكر العربي رجع صدى للسلف، ومن ثم نعيش غربة في الزمان، أو رجع صدى للغرب، ونعيش معه غربة في المكان.
وثم سؤال هل مكونات الجينوم الثقافي العربي، وما يسميه البعض ثوابت الفكر العربي لها دور فاعل في هذا الركود والتواكل والاستلاب؟ أزعم أنه لا يوجد فكر عربي، وإنما هناك ثقافة عربية موروثة لها ظرفها الوجودي التاريخي المؤثر على واقعنا مع تعاقب الأجيال، ما هو الفكر العربي العصري عن قضايا مثل التغير الاجتماعي وأنواعه ومحدداته في التاريخ؟ أو عن تطور الفكر الاجتماعي العربي والإنساني، وعن التكيف الاجتماعي وآليات التكيف ومعاييره؟ أو عن اللغة: النشأة والتطور وتجليات هذا في تاريخ وبنية اللغة العربية، الهوية الاجتماعية في التاريخ، والنشأة والتكوين والتمايز؟ أو عن الظاهرة الثقافية: النشأة والتطور، أم أنها ثابتة في الزمان والمكان، سوسيولوجيا الفكر والعقائد في التاريخ العربي؟ أو عن الحضارات: النشأة والتطور - صعودها وانحلالها؟ أو عن التراث باعتباره رصيدا ثقافيا وتطوره في التاريخ في ضوء نظريات العلوم ذات الصلة (الوراثة - اللغة - آلية انتقال التراث والانتخاب بين الماضي والحاضر - علم اجتماع المعرفة - علم نفس المعرفة)؟
واللافت للنظر أن الحوار الفكري العربي والعالمي منعدم لأن الحوار يجري بين طرفين ولا يوجد الطرف العربي، وإنما العرب أسرى الأخذ فقط منذ قرون، دون عطاء، أخذ عن السلف في تكرار موحش، أو أخذ عن الغرب في تبعية رعناء - وتعطل الفكر مع تعطيل إنتاج مشروع الوجود، الوجود الاجتماعي رهن القدرة التنافسية فيما بين المجتمعات في مجال الطاقة الابتكارية للإنتاج، وإذا كانت الطاقة في عصر الرعي والزراعة هي قوة العضلات، وفي عصر الصناعة قوة المحركات الآلية، فإن الطاقة في عصر المعلوماتية هي المعرفة، والمنتج هو المعرفة في صورتها النسقية، والفائض الذي يوظفه المجتمع للتطوير الذاتي هو فائض قيمة المعرفة، والتنافس بين المجتمعات مضماره إنتاج المعرفة وسرعة معالجة المعرفة وتوظيفها واستثمارها وإدارة دورات المعرفة اجتماعيا في هذا كله، فأين موقعنا ونحن أسرى ثقافة اجتماعية، نصفها بالعراقة والثبات لقدمها وجمودها؟! ثقافة تصرفنا عن علم الدنيا بحثا منهجيا، ودراسة عقلانية، وإبداعا ذاتيا أصيلا، وترصد جهدنا لعلم حياة آجلة، وتحصر طاقتنا لعدو أوحد ليس هو التخلف والتبعية والتحجر والاستبداد، بل هو الشيطان والخطيئة فقط، ورسخت فينا تقليدا هو تأمل ظواهر الوجود بوصفها معجزات يعجز الإنسان عن أن يستكشف أسرارها، ثقافة تفرض حدودا أو قيودا لما يجوز بحثه وتعلمه، في حدود الحرام والحلال الروحانيين، ثقافة اختزالية تصادر جهود البحث والاستكشاف لأنها تضع حلا جامعا مانعا لا سؤال بعده، إنه الخلق، وهكذا كان الخلق، والسؤال والبحث والاستكشاف تطفل وافتئات وانصراف عن «علم نافع» إلى أفكار مثل التطور، أفكار ما أنزل الله بها من سلطان.
لهذا أرى أن سبيلنا ليست تنمية، بل تطويرا اجتماعيا حضاريا، فعالية إرادية أصيلة حيث العالم محل لإرادة الإنسان/المجتمع، لقد تجاوز العالم المتقدم حضارتي الزراعة والرعي، ثم انتقل إلى حضارة الصناعة والعلم إنتاجا تقانيا وفكريا، ثم إلى المعلوماتية، ويقف الآن على الطريق إلى عصر اقتصاد المعرفة إنسان جديد، عقل جديد، عالم جديد لن يرحم من يتخلف عن الركب، فإلى أين نحن نسير؟ هل اخترنا بإرادتنا قدرنا ومصيرنا، أم إن أمرنا موكول لإرادة أخرى؟
مصر .. الغياب الطويل ومحاولة البحث في الجذور
كتابات كثيرة حفلت بها الحياة الفكرية النقدية، وضعت بديهيات كثيرة موضع شك وتساؤل، وهذه هي سمة أساسية من سمات الصحوة، صحوة الفكر المواكب لنشاط مجتمعي، نشاط شامل العقل واليد في تحول جذري نحو حقبة حضارية جديدة صدق العزم بشأنها، بديهيات كثيرة تشكل مرتكز إطارنا الفكري، وحددت بالتالي سلوكنا، بل وتصوراتنا للعديد من ظواهر حياتنا ، حكمت الفكر والسلوك، وإذا بها حين توضع على مائدة الحوار والتساؤل المنهجي، وتخضع للبحث العقلاني النقدي لا تصمد طويلا على الرغم من صمودها في أذهان الناس قرونا، وتكون الصدمة التي تصل إلى حد الذهول وعدم التصديق.
من هذه البديهيات - على سبيل المثال - التي تحولت إلى «حقائق فكرية» اجتماعية شغالة، أعني فاعلة في المجتمع، حاكمة للفكر والسلوك معا قولنا على سبيل المثال، إن العرب بدأت مسيرة حياتهم الاجتماعية من البداوة، أو كما يقال هم أعرق في البداوة وأبعد عن الصنائع، ونأخذ كلمة العرب باعتبارهم اسم جنس من التجانس دون اعتبار لاختلافات فرضها واقع جغرافي، ومن ثم تاريخي وثقافي، أو ما اصطلح على تسميته المحيط العقلي
Noosphere
وكأن اللغة بمعنى النطق، لا بمعنى الفكر، هي المعيار الأوحد المحدد لطبيعة المجتمعات وخصوصياتها وانتماءاتها الثقافية، ونأخذ البداوة على الإطلاق دون اعتبار لحركة التاريخ واتساع النطاق الثقافي الحضاري وكأنه نهر دافق ممتد من منبعه أو منابعه المتباينة حاملا ماضيه مع حاضره الذي نعيشه الآن، كأن البداوة هي المبتدأ لكل مجتمع يحمل صفة العربي ثقافة راهنة، اقترضنا تجانسها المطلق وقطيعتها المطلقة مع ما سبق وكان مبتدأ حقيقيا، وأغفلنا جوهر التطور شكلا ومسارا ومحتوى وتفاعلا ونقصا وزيادة، على الرغم من تناقض هذا الرأي مع وقائع التاريخ الجغرافي الثقافي الحضاري لعديد من المجتمعات، ومن البديهيات أيضا قولنا إن العرب لم يعرفوا نظام الدولة، وإن الدولة بدأت أول ما بدأت مع حدث سقيفة بني ساعدة وعهدها الذي هو أول دستور لدولة عرفها العرب في تاريخهم، وهكذا فقدنا الاتجاهات الأصلية الجغرافية، وفقدنا معها الموقع وتمايزه وتاريخه ونتاجه المادي والفكري، وكأن بلاد ما بين النهرين ووادي النيل لم تعرف النظام المركزي والدولة البيروقراطية، ويبدو وكأن إطارنا الفكري تحكمه مقوله غير صريحة تقول: إن تاريخنا لا يبدأ على أرضنا، وهي مقولة تهدم كل أسس العلم منهجا ومبحثا ونظريات، ومن ثم لن تهدينا، بل تزيدنا ضلالا، وإذا ضللنا الطريق لن نعرف إلى أين نسير بل سنقنع بتهويمات تقتلع جذورنا من الواقع.
وكم من دراسات معاصرة تصحيحية ظهرت خلال العقود الأخيرة أثارت تساؤلات وشكوكا بشأن جذور الحضارة الإنسانية ومسارها وغايتها: هل غايتها تجلي الروح الكلي المتجسد في عقل الإنسان الأبيض؟ وهل جذورها وبدايات الفكر الفلسفي بدأت فجأة ودون مقدمات بين الإغريق، أصحاب العقل العبقري المعجزة كما كان يوصف في السابق؟ وماذا عن إسهامات الحضارات الأخرى ومنها الحضارة المصرية القديمة؟ أطاح العديد من الدراسات النقدية المعاصرة بهذه «البدهيات» التي ترسخت في الأذهان وأضحت شأن البديهيات الأخرى لبنة أساسية، بل محورا لإطار فكري حاكم ننطلق منه وننظر إلى الأحداث على هديه وفي ضوئه، وإن خالفته الوقائع كذبنا الواقع وعدنا إلى بديهيتنا إماما مطلقا له الحاكمية.
Bog aan la aqoon