Taariikh Kooban oo Dumyat ah
مجمل تاريخ دمياط : سياسيا واقتصاديا
Noocyada
ووصلت أخبار نزول الصليبيين إلى بر دمياط الغربي إلى الملك الكامل؛ فخرج بجيشه متجها إلى الشمال، وأرسل الأساطيل إلى دمياط، وأمر الولاة بجمع العربان، ونزل الكامل بمنزلة العادلية قرب دمياط، وعسكر بها، هذا والملك العادل يرسل إليه المدد تلو المدد من الشام ليستعين بها جميعا في محنته.
وظل البرج يقاوم ويمانع أربعة أشهر طوالا، وأخيرا بنى الفرنج برجا عاليا ضخما وأقاموه على بسطة كبيرة، وتقدموا به تحت وابل من سهام المصريين إلى أن أسندوا برجهم إلى البرج المدافع، وقاتلوا به قتالا عنيفا إلى أن استولوا على برج دمياط.
وكان استيلاؤهم على هذا البرج حادثا خطيرا أليما؛ فقد سهل لهم الاستيلاء على المدينة بعد ذلك . ويكفي للدلالة على خطورة هذا الحادث أن نذكر أن الملك العادل عندما سمع بخبره وهو مقيم بمرج الصفر بالشام تأوه تأوها شديدا، ودق بيده على صدره أسفا وحزنا، ومرض من ساعته، ثم لم يلبث أن مات من حسرته بعد أيام.
وخلص ملك مصر للملك الكامل محمد، فاشتد ثقل العبء الملقى على كتفيه؛ لأن الصليبيين أقدموا بعد استيلائهم على البرج فحطموا سلاسله لتجوز مراكبهم في نهر النيل، فاضطر الكامل لإقامة جسر عظيم جنوبي البرج لمنعهم، ولكنهم قاتلوا عليه قتالا شديدا إلى أن قطعوه. ويقال إن الكامل صرف على البرج والجسر في ذلك الوقت ما ينيف على سبعين ألف دينار، ثم لم ييئس، وإنما أمر أن تغرق عدة من السفن في عرض النيل تمنع سفن الصليبيين من العبور جنوبا، واحتال الفرنج على هذا الإجراء الأخير حيلة ماكرة؛ فقد كان هناك على البرج الغربي خليج قديم يعرف بالخليج الأزرق، كان يجري فيه النيل فيصب في البحر ولكن الرمال طمرته، فأعادوا حفره، وأصعدوا فيه سفنهم حتى وصلت إلى مدينة بورة التي تقابل منزلة العادلية حيث يعسكر الكامل بجيوشه، وبدأت المناوشات بين الجيشين.
كل هذا ودمياط لا زالت آمنة سالمة وسورها يحميها وأبوابها مفتحة، والميرة والأمداد تصل إليها دون انقطاع، والنيل لا يزال يفصل بينها وبين العدو، والعربان تقض مضاجع الصليبيين فتتخطفهم من معسكراتهم في الليل، حتى «امتنعوا من الرقاد خوفا من غاراتهم»، وقامت رياح عاصفة فقطعت مراسي مرمة الفرنج (وهي سفينة ضخمة جدا مشحونة بالميرة والسلاح) ويقول عنها المقريزي: «وكانت من عجائب الدنيا، فمرت إلى بر المسلمين فأخذوها، فإذا هي مصفحة بالحديد لا تعمل فيها النار، ومساحتها خمسمائة ذراع، فكسروها فإذا فيها مسامير زنة الواحد منها خمسة وعشرون رطلا.»
ولو سارت الأمور سيرها الطبيعي لما وصل الصليبيون إلى دمياط، ولكن البلاء نبت في معسكر المسلمين نفسه، فقد انتهز أحد أمرائهم الكبار ويدعى عماد الدين أحمد بن المشطوب فرصة موت الملك العادل، واستمال إليه عددا من قواد الجيش، وحاول أن يخلع الكامل ويولي مكانه أخاه الملك الفائز. وعلم الكامل بالمؤامرة فخشي على نفسه، فترك معسكره بالعادلية في الليل وانسحب جنوبا إلى أشموم طناح، وأصبح الجند بغير سلطان؛ فتفرقت كلمتهم «وتركوا أثقالهم وخيامهم وأموالهم وأسلحتهم ولحقوا بالسلطان.» ورحب الفرنج بالفرصة المواتية، ونزلوا إلى البر الشرقي يوم الثلاثاء سادس عشر ذي القعدة دون أن يلقوا أية مقاومة، واستولوا على جميع ما كان في معسكر المسلمين «وكان شيئا لا يحيط به الوصف.» وعسكروا في البر الشرقي، وحصنوا معسكرهم كالمعتاد فحفروا حوله خندقا وبنوا سورا، وبدءوا يحاصرون دمياط، ولكن أهلها صمدوا للقتال وقاوموا مقاومة مجيدة عنيفة، وخضعوا إبان هذا الحصار لشدائد مريرة، فقلت الأقوات عندهم، وكان بالمدينة - غير أهلها - عشرون ألف مقاتل، فلما طال بهم الحصار أنهكتهم الأمراض وغلت الأسعار حتى بيع رطل السكر بمائة وأربعين دينارا، والدجاجة بثلاثين، وراوية الماء بأربعين درهما، واحتال السلطان للاتصال بأهل دمياط لتشجيعهم وتقوية روحهم المعنوية؛ فانتدب لذلك رجلا من جنوده يدعى شمائل، فكان يسبح في الماء بعيدا عن أعين الفرنج حتى يصل إلى أهل دمياط فيعدهم بوصول النجدات.
وطال الحصار بالمدينة ستة عشر شهرا واثنين وعشرين يوما، حتى اشتد بهم الضيق وعدمت لديهم الأقوات، وامتلأت الطرقات والمساكن بالموتى، وتسور الفرنج المدينة أخيرا ودخلوها في يوم الثلاثاء لخمس بقين من شعبان سنة 616 (نوفمبر 1219م)، فوضعوا السيف في الناس وأسرفوا في قتلهم، وجعلوا جامع المدينة كنيسة، وانبثوا في القرى المحيطة، وأخذوا يحصنون المدينة وأسوارها، ليتخذوها قاعدة يتقدمون منها نحو الجنوب.
وعسكر الملك الكامل قبالة طلخا عند مخرج بحر أشموم طناح (البحر الصغير الآن)، وشرع الجند يبنون الدور والفنادق والحمامات والأسواق في هذه المنزلة (وقد سميت بعد ذلك المنصورة تيمنا بانتصار الكامل)، وكان قد أرسل الرسل إلى ملوك الأيوبيين في الشام من إخوته وأقاربه يسألهم النجدة والمعونة، فوصله في ذلك الوقت أخوه الملك المعظم عيسى بجيش كبير، فقوى به قلبه، وخاصة أنه سعى بعد وصوله فأنجاه من ورطته بإبعاد أخيه الفائز وابن المشطوب إلى الشام، فهدأت الفتنة، ووصلت نجدة أخرى من حماة بقيادة المظفر الثاني ابن أخت الملك الكامل في جيش كثيف؛ ففرح بوصولها، ثم وصلت نجدة كبرى بقيادة الملك الأشرف موسى أخي الكامل، وبلغت بذلك عدة فرسان المسلمين نحو أربعين ألف فارس، فقويت قلوب المسلمين، وبدءوا يستعدون للمعركة الحاسمة.
وتقدم الصليبيون - بعد تحصين دمياط - وبعد أن وصلتهم أمداد وفيرة العدد نحو الجنوب في حدهم وحديدهم، ونزلوا قبالة جيش المسلمين شمال بحر أشموم طناح، ولا يفصل بين المعسكرين غير هذا البحر.
واشتد القتال بين الفريقين، وأبلى المسلمون بلاء حسنا، فاستولوا على نحو تسع سفن كبيرة من سفن الفرنج التي تحمل إليهم الميرة من دمياط، وأسروا منهم ألفين ومائتين، ثم احتال الكامل فأرسل سفنا من أسطوله بقيادة الأمير بدر الدين بن حسون في بحر المحلة، وهو فرع كان يخرج من النيل قرب بنها الحالية، ويتصل به ثانية شمالي المنصورة؛ فحالت هذه السفن بين مراكب الفرنج الآتية من الشمال بالميرة وبين الوصول إلى معسكرهم عند المنصورة، ثم عبر جماعة من المسلمين في بحر المحلة هذا إلى الأرض التي يعسكر عليها الفرنج «وحفروا مكانا عظيما في النيل، وكان في قوة الزيادة؛ فركب الماء أكثر تلك الأرض، وصار حائلا بين الفرنج ومدينة دمياط، وانحصروا فلم يبق لهم سوى طريق ضيقة، فأمر السلطان في الحال بنصب الجسور عند أشموم طناح؛ فعبرت العساكر عليها، وملكت الطريق التي يسلكها الفرنج إلى دمياط إذا أرادوا الوصول إليها، فاضطربوا وضاقت عليهم الأرض.»
Bog aan la aqoon