فتكون هذه الأخبار في كتاب الله عز وجل وأمثالها في صفة الله جل جلاله إنما هي لوقت دون وقت، فإن قالوا: قد استثنى في قوله: {لا تدركه الأبصار} (¬1) بقوله: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة} (¬2) قلنا: وكذلك استثنى أيضا في قوله: {لا يعلمها إلا هو} (¬3) ، {ولا يجليها لوقتها إلا هو} (¬4) ، {لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} (¬5) في جميع ما أخبر به عن نفسه أنه يعلمه بقوله: {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم} (¬6) وبقوله: {وليعلم الله من ينصره} (¬7) ، {وسيرى الله عملكم ورسوله} (¬8) فيكون الله قد استثنى بهذا في علم الغيوب، فيجب على هذا الوجه أن لا يكون الله يعلم شيئا مما يكون حتى يكون، فإن قالوا: إن في وصفنا الله بهذا وأمثاله وصفا منا بالجهل له، واستحداث العلم؛ وذلك من صفات المحدث المخلوق _تعالى الله عن ذلك_، فلذلك أبينا أن يكون الله استثنى في هذا الوجه، قلنا وكذلك وصفنا إياه بأنه يرى بالأبصار، ويدرك بالعيان، وصفنا إياه بأنه لون من الألوان المركبة في الأجسام، والأجسام محدودة في مكان دون مكان؛ وذلك من صفات المحدث المخلوق، فلذلك أبينا أن يكون استثنى في هذا الوجه، كما أنكم أبيتم أن يكون استثنى في معنى العلم، وقد ترادف عليكم معشر المشبهة في اتخاذكم بالرؤية للرب _تعالى عن ذلك_ أمران قبيحان: أحدهما تبديل صفات الله جل جلاله، والثاني تكذيب لخبره عز اسمه.
¬__________
(¬1) سورة الأنعام آية رقم 103.
(¬2) سورة القيامة آية رقم 23.
(¬3) سورة الأنعام آية رقم 59.
(¬4) سورة الأعراف آية رقم 187.
(¬5) سورة سبأ آية رقم 3، وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة، حيث قال: "ولا" بزيادة (الواو) بدلا من (لا).
(¬6) سورة الأنفال آية رقم 23.
(¬7) سورة الحديد آية رقم 25.
(¬8) سورة التوبة آية رقم 94.
Bogga 183