وإن زعموا أنهم لا يعقلون ذلك ولا يتوهمونه، قلنا فقد أقررتم بما لا تعقلون، ومن جعل بعض ما لا يعقل حقا، وبعضه باطلا؟ وما تنكرون أن لا يكون الله جسما إذ كان فعالا للأجسام، وإذ كان يعلم ما يكون قبل أن يكون، كما لم تعقلوا جسما غيره يخترع الأجسام، ويعلم ما يكون قبل أن يكون، إذ كنتم إنما بنيتم أصلكم على ما تعقلون، ويقال لهم: فإذا كنتم لا تبنون إلا على ما تعقلون ولا تقضون إلا بما تجدون، فأين وجدتم جسما ليس بذي لون، ولا طعم، ولا ريح، ولا لمس، ولا يشم، ولا يذاق، ولا هو خفيف ولا ثقيل، ولا حار ولا بارد، ولا فاتر ولا خشن، ولا لين ولا رقيق، ولا كثيف ولا صلب ولا رخو، ولا حسن ولا قبيح، ولا صبيح ولا مليح، ولا يمنع الأبصار، ولا تحله الألوان؟ فقد أخرجتموه من المعقول، وللخروج من المعقول قلتم بزعمكم بالتجسيم والتشبيه، وقد قلنا: إنه ليس بين أن يخرج الشيء في وجه واحد من المعقول، وبين أن يخرج في وجهين فرق، وكذلك أكثر من ذلك.
المشبهة تسأل:
ومما تسألنا عنه المشبهة قولهم: لم جعلتموه شيئا لا كالأشياء، وحيا لا كالأحياء، وأبيتم أن يكون جسما لا كالأجسام؟ قلنا: إن تأويل قولنا شيء (¬1)
¬__________
(¬1) حقيقة الشيء عند الأباضية: هو المخبر عنه، وعند الأشعرية هو الموجود. أما المعدوم فليس بشيء، وعند الأباضية شيء معدوم، والعدم أيضا ليس بشيء ((البرادي: رسالة الحقائق ص35))، وفي هذا المعنى يقول ابن أبي سنة: ((فالشيء حينئذ أعم من الوجود على ما ذهب إليه أصحابنا، وهو الذي تقتضيه اللغة)). حاشية على شرح الكتاب.
وقد أورد الأشعري في المقالات آراء الفرق الإسلامية في معنى قولهم: ((إن الله شيء)) المقالات 281:1 و 202:2، ويقول بلقاسم بن حسن: ويبدو أن أغلب مفكري الإسلام يجيزون إطلاق لفظ الشيء على اسم الله تعالى، ولكنهم يجمعون على نفي الجسمية عنه نفيا قاطعا في أي شكل من الأشكال. راجع آراء الماتريدي الكلامية ص195.
Bogga 164