ومما تسأل عنه المشبهة، ونحن مبتدئون بالمسألة على من قال بالتشبيه، وجرد التجسيم على مذهب القائسين دون المحتجين بالحديث والقرآن، فنقول لهم: أليس الجسم ما كان ذا طول وعرض، وعمق، وجهات، وحدود، وحركات وسكون، وما يكون ذا نصفين، ويحتمل التجزئة، ويكون ذا هيئة من الهيئات، وقدر من الأقدار؟ فإن زعموا أن الله جسم، وليس بموصوف بشيء مما ذكرنا وعددنا، قيل لهم: فلم سميتموه جسما، ولا تضيفون إليه صفة واحدة من صفات الأجسام؟ وليس بين صفة واحدة وبين صفتين فرق، ولا بين صفتين وثلاث صفات فرق، ولا بين البعض والكل فرق، فهلا سميم العرض جوهرا، والجوهر (¬2)
¬__________
(¬1) قاس الشيء بالشيء قدره على مثاله، والقياس: هو عبارة عن التقدير، يقال: قاس النعل إذا قدره، وقاس الجراحة بالميل إذا قدر عمقها به، وهو يستعمل في التشبيه، وهو تشبيه الشيء بالشيء.
وهؤلاء القائسين على رأي المؤلف هم الذين يقولون بالتشبيه والتجسيم ، ويشبهون الله تعالى بخلقه، وتجاهلوا قول الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (سورة الشورى: 11).
(¬2) الجوهر: لم يكن لفكرة الجوهر في الفلسفة المدرسية الشرقية ما كان لها من الشأن في مدارس الغرب، والجوهر بحسب النظرية اليونانية عند المفكرين المسلمين هو ما يقوم بذاته، وما ليس مفتقرا إلى غيره في وجوده ولو من الناحية المنطقية، فهو من حيث علاقته به يعد جوهرا، كما أن اللون من حيث علاقته بالجسم يعد عرضا، على أن قيمة فكرة الجوهر ليست منطقية فحسب وإنما هي ميتافيزيقية أيضا.
والمفكرون المسلمون: قالوا عن الجوهر البسيط: هو ما ليس له أجزاء ولا يقبل الفساد بالتالي، وعلى هذا فابن سينا عندما أراد أن يبرهن على خلود النفس برهن على أنها جوهر بسيط، ومن هنا تأدى إلى أنها غير تالفة، وهذا يعني أن قيمة النظرية تستند إلى فكرة البساطة.
ويعرف صاحب "التعريفات" الجوهر بأنه ماهية إذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضع، وهو منحصر في خمسة: هيولي، وصورة، وجسم، ونفس، وعقل. راجع الجرجاني التعريفات، والنسفي العقائد ومعه شرح التفتازاني ص 47، 52، 70، ودائرة المعارف الإسلامية 7: 174.
Bogga 160