وروى الدويهي في تاريخه أنه ترجم رتب كنيسته من اليونانية والسريانية إلى العربية، وقيل: إنه مات مسمما؛ لأنه أراد أن يتبع حساب كنيسة رومة، وخلفه أفتيشيوس الساقسي، وبعد وفاة هذا خلفه مكاريوس الزعيم سنة 1643، وهو صاحب الرحلة إلى القسطنطينية وبلغارية والفلاخ والبغدان، وكتب أخباره فيها ابنه الشماس بولس الزعيم في كتاب اشتمل على فوائد كثيرة في بطاركة أنطاكية الملكيين، شهر بعضها جرجس مرقس الدمشقي نزيل روسية من سنة 1896 إلى سنة 1900، ويظهر أن البطريرك مكاريوس توفي سنة 1672، وخلفه حفيده وسمي كيرلس الخامس وكان ضليعا باللغتين العربية واليونانية ، وجاهر بانحيازه إلى المذهب الكاثوليكي بعد جدال كان بينه وبين البطريرك إسطفانوس الدويهي، وكان معه أربعة أساقفة تابعوه على ذلك ومنهم أفتيميوس الصيفي مطران صور، لكن المخالفين له أدخلوا عليه توافيطس إذ انتخبوه بطريركا إلا أنه بعد وفاة توافيطس أو عزله استقل بالبطريركية سنة 1686، ثم رقى المخالفون إلى البطريركية أتناسيوس الدباس الدمشقي، وتمكن الشقاق بالملة بضع سنين إلى أن وقع الاتفاق بين البطريركين على أن أتناسيوس يكون مطرانا على حلب، وكيرلس يستقر بالبطريركية ... ويقال: إن كيرلس كان يوقع اسمه البطريرك الأنطاكي حالا، وأتناسيوس يوقع اسمه البطريرك الأنطاكي قبلا، ولما بلغ البابا إكليمنضوس الحادي عشر اعتناق كيرلس الإيمان الكاثوليكي، بعث إليه رسالة في 9 كانون الثاني سنة 1716، وسأله أن يدون دستور إيمانه، فدونها فورد إليه الجواب من البابا في 30 أيار سنة 1718 مبينا له مسرته من تصرفه، لكنه لم يمنحه التثبت الرسمي وتوفي هذا البطريرك سنة 1720.
وأما بطاركة أنطاكية على الموارنة في هذا القرن فهم البطريرك يوحنا بن مخلوف الأهدني خلف البطريرك يوسف الرزي، الذي توفي سنة 1608، واستمر على البطريركية إلى 15 كانون الأول سنة 1633، وخلفه البطريرك جرجس عميرة من أهدن أيضا، فدبر البطريركية إلى 29 تموز سنة 1644 وقام بعده البطريرك يوسف العاقوري، ولم يدبر البطريركية إلا ثلاث سنين وبعض أشهر، وتوفي في 23 تشرين الثاني سنة 1647، وخلفه البطريرك يوحنا الصفراوي، وانتقل إلى راحة الأبرار في 23 كانون الأول سنة 1656 وخلفه البطريرك جرجس من قرية بسبعل (بزاوية أطرابلس)، وذهب ينال أجر جهاده في 12 نيسان سنة 1670، وخلفه العلامة البطريرك إسطفانوس الدويهي صاحب المؤلفات البديعة الوافرة، والفضائل السامية النادرة، وبقي مجاهدا بكرم الرب إلى أن دعاه لأخذ أجره مضاعفا في 3 أيار سنة 1704.
وأما بطاركة أورشليم فبعد استقالة صفرونيوس المار ذكره انتخب منهم توافان سنة 1608، وروى بعضهم أنه كان ابن أخي صفرونيوس سالفه أو ابن أخته، وبعد أن صرف بعض سنين في أورشليم سار إلى القسطنطينية وروسية، ثم توفي بالقسطنطينية سنة 1646، وخلفه بايزيوس من أنسباء سالفه وكان راهبا في دير بجانب الأردن، ثم صار رئيسا على دير بغلطة، وهناك انتخب بطريركا على أورشليم، وسار إلى ملدافيا وروسية فأثقل قيصر الروس كاهله بالتقادم وعاد إلى أورشليم، فانقلب عليه البطريرك القسطنطيني ووشى به إلى الحكومة، وأقفل كنيسة تخص القبر المقدس في القسطنطينية ... فاضطر أن يعود إلى ملدافيا، ثم سار إلى أدرنة فسجن فيها مدة، ثم خلى سبيله فرجع إلى أورشليم واعتراه مرض عضال حتى قيل: إنه أعدمه رشده فاتبع مذهب اليهود ثم نفذ به القضاء المحتوم سنة 1660، وبرأ بعضهم ساحته من الضلال، واختار ملك ملدافيا والبطريرك القسطنطيني وبعض الأساقفة أنكتاريوس خلفا له سنة 1661، وكان ناسكا في جبل سيناء وأصله من إكريت، وله من التآليف تاريخ ملوك مصر إلى السلطان سليم الأول، ورسالة يبين فيها مخالفة كنيسة الروم لأضاليل لوتر وكلوين ورفع عريضة إلى السلطان استقال بها من رياسته لشيخوخته وأمراضه، ومنازعة رهبان القدس له، واعتزل في دير القديس ميخائيل بأورشليم، وألف كتابا في رياسة الحبر الروماني باليونانية، وشهد مجمعا عقد بأورشليم سنة 1672 لرد بدع كلوين، وأرسل رسالة إلى رهبان طور سيناء يفند بها غوايات هذا المبتدع، وتوفي أنكتاريوس سنة 1674، وخلفه بعد استقالته سنة 1672 دوزيتاوس الثاني الإكريتي، وكان متريبوليطا لقيصرية فلسطين، وبعد ترقيته إلى البطريركية عقد مجمعا في بيت لحم نبذ به أضاليل كلوين، وأشهر تآليفه تاريخ بطاركة أورشليم يندد فيه باللاتين والأحبار الرومانيين، ولا يتسامح بشيء مع الكلوينيين، ويظهر منه قلة إلمامه بصناعة النقد وطبع كتابه ببوخاريست سنة 1715، وله أيضا محاورة سماها ترس الإيمان الأرثوذكسي، وذكر بعضهم له رسائل أخرى سنة 1698 وسنة 1699 وتوفي سنة 1707. (2) في بعض المشاهير الدينيين في القرن السابع عشر
من هؤلاء الأب بطرس المطوشي القبرسي الماروني:
درس العلوم بمدرسة الموارنة برومة، وضوى إلى جمعية الآباء اليسوعيين، وكان من فضلائهم وعلمائهم وأرسله البابا بولس الخامس إلى إيليا بطريرك الكلدان مع سفيره آدم الأمدي وغيره؛ ليقبل الكلدان الإيمان الكاثوليكي بحضورهم، وكان هو المترجم مع المطران إسحق الشدراوي لرسائل البابا من اللاتينية إلى السريانية، ولرسائل البطريرك والأساقفة، وأعمال معجمهم من السريانية إلى اللاتينية وله غرامطيق سرياني مشروح باللاتينية، ومقالة في اللاهوت الأدبي ، وكان ممن أقامهم الكرسي الرسولي مع الكردينال بلرمينوس وغيره لفحص كتب فروض الموارنة لطبعها، وتوفي المطوشي نحو سنة 1630.
ومنهم القس نصر الله بن شلق الماروني العاقوري:
تخرج بالعلوم بمدرسة الموارنة برومة وله مؤلف في الكنيسة، وترجمة سفر أيوب من السريانية إلى اللاتينية ومقالات أخرى، وقد أحرز ثروة وافرة أوصى بها عند موته أن تنشأ بها مدرسة للموارنة برافنا، وأقام القس جبرائيل بن عواد الحصروني منفذا لوصيته، فأنشأ المدرسة سنة 1639، ولكن أقفلت سنة 1664 ونقل تلاميذها إلى مدرسة الموارنة برومة وتوفي القس نصر الله سنة 1635.
ومنهم القس جبرائيل الصهيوني الأهدني الماروني:
ولد بأهدن سنة 1577 وتلقى العلوم بمدرسة الموارنة برومة ونال مرتبة ملفان في اللاهوت، وأقيم أستاذا لتعليم السريانية والعربية في مدرسة السابيانسا (الحكمة) برومة إلى أن دعاه لويس الثالث عشر ملك إفرنسة سنة 1614؛ ليكون أستاذا في المدرسة الملكية ببريس، وشرفه برتبة ترجمان ملكي، وعاون كثيرا الأب ميخائيل لي جاي على نشر البوليكلوتا (الأسفار المقدسة بعدة لغات) البريسية لضبط النسختين السريانية والعربية، وترجمتها إلى اللاتينية وشاركه في ذلك إبراهيم الحاقلي الآتي ذكره والخوري يوحنا الحصروني، وقد ترجم الزبور من العربية إلى اللاتينية، وطبعه برومة سنة 1614، وله كتاب في نحو السريانية طبع ببريس سنة 1616، وترجمة جغرافية الإدريسي إلى اللاتينية طبعت ببريس سنة 1619، ومقالة في بعض مدن الشرق ودين أهلها، وخصالهم إلى غير ذلك، وتوفي سنة 1648.
ومنهم العلامة إبراهيم الحاقلي الماروني:
Bog aan la aqoon