والزراعة، فهذا تأكيدٌ على مكانة العرب العلمية في مرحلة سيطروا فيها ثقافيا على عملية الإبداع في العلوم.
ولم يكتف العرب بالحفَاظ على تراثهم، بل كان لهم الفضل الكبير في الحفاظ على تراث الأمم الأخرى، الذي نقله المسلمون إلى حضارتهم، وضاعت أصوله لدى تلك الأمم، كتراث الفرس والهنود والإغريق والرومان.
على أننا نلقى بين الفينة والفينة خصومًا لِهذا التراث العريق، يستخفون به ويعرقلونَ عملية إحيائه ونشره، ويقفونَ حجر عثرة في طريق طلاب الدراسات العليا الراغبين بتقديم دورهم في هذا المضمار، مدعين أن تذكرة العالم بماضينا العريق نوعٌ من التراجع غير المجدي، وأمر لا يدعو إلى الفخار، بقدر ما يحز في النفس ويدعو إلى الأسى، وإلى ضياع الحاضر والمستقبل في التغني بورقات مهترئة نُسيت عبر الزمان. وما دروا أنهم في عدائهم هذا يفصمون عري الحضارة بين الماضي والحاضر، ويضيعون جذورنا، ويريدون أن يغمضوا عين الشمس التي أشرقت يومًا على الغرب، ويفقدونَ الرابط الفكري الذي تَحلى به المسلمون، واعترف به الغربيون، وأفادوا منه كثيرًا، ولو لم تكن قيمة هذا التراث جليلة لما احتفظت به أرقى مكتبات العالم، ولما تسابقت إلى تملكه أعلى المؤسسات العلمية ثقافة.
ونقف اليوم أمام من يشتغلونَ بالمخطوطات وقفة إجلال وتقدير؛ لأنهم وهبوا أحلى ساعات حياتهم بالعيش في رداه الكتبات وبين أروقتها، ينبشون كنوز المسلمين، ويقدمونها للأجيال تنهل منها ما طابَ لها، بعد أن يوجهوا عليها أنوار بصائرهم وبصيراتهم، وكأنَّهم جنود صامتون صامدون، متربصون خلف متاريسهم وداخل خنادقهم.
وسنعمد في هذه التقدمة إلى عرض فكرة موجزة مبسطة بعيدة عن
1 / 9