ومن طريف ما يُروى في ذلك أن الجاحظ لما قدم من البصرة إلى بغداد قاصدًا محمد بن عبد الملك الزيات في وزارته للمعتصم، أهدي إليه نسخة من كتاب سيبويه، وقبل أن يَحملها إلى مَجلسه أعلم بها بعض موظفي ابن الزيات، فلما دخل عليه قال له: أو ظننت أن خزائننا خالية من هذا الكتاب؟ فأجابه الجاحظ: ما ظننت ذاك، ولكنها بخط الفراء، ومقابلة الكسائي، وتهذيب عمرو بن بحر الجاحظ، فقال له ابن الزيات: هذه أجل نسخة توجد للكتاب وأغربها، فأحضرها الجاحظ إليه وسُرَّ بها ووقعت منه أجمل موقع، كما نقل شوقي ضيف في كتاب "البحث الأدبي".
السادس: أما النسخ التي كتبت بعد عصر المؤلف، فترتب حسب قدمها، تفضل المتقدمة على المتأخرة، والتي كتبها عالم، أو قُرئت على عالم على ما لم يكتبها أو يقرأها أحد العلماء، وقد نَجد نسخة ما أحدث تاريخًا من الأولى، ولكن كاتبها عالم دقيق يُقيم النص، وتبرأ نسخته من الخطأ والوهم والتحريف، وهي أصح متنًا وأكمل مادة، وهنا يَجب تقديم النسخة الأحدث.
السابع: هذه النسخة عدا النسخة الأم تُعد أصولًا ثانوية، أمَّا إذا لم توجد نسخة المؤلف، فإن أوثق هذه النسخ وأصحها تعد النسخة الأم، ثم يليها الأقل منها وثوقًا، وقد يَحدث أن تكون هناك نسخة متأخرة صحيحة مضبوطة هي أفضل من أختها المتقدمة التي يعتريها النقص أو التحريف أو التصحيف، وقد نَجد نسخة متأخرة نسخت نسخًا جيدًا عن نسخة المؤلف، أو عن نسخة من عصر المؤلف، وحقّا إن النسخ المتأخرة يعتريها التحريف من أيدي الناسخين، ولكن قد نَجد في المتأخر ما لا نَجده في المتقدم.
الثامن: بعض المخطوطات تأتي غفلًا من تاريخ النسخ ولا يعرف
1 / 20