ويُسمى الْجَاحظ العالم "مُحِقِّا"، ففي رسالة فصل ما بين العداوة والْحَسد: "إنه لَم يخلُ زمن من الأزمان فيما مضى من القرون الذاهبة إلَّا وفيه علماء مُحِقُّون، قرأوا كتب من تقدمهم ودارسوا أهلها". وقال: "واتَّخذهم المعادون للعلماء المحقين عدة"، وما دام التحقيق هو الإثبات بالدليل وتصحيح الأخبار، فإنه صفة من صفات العلماء، ففي الأدب مُحققون وفي النحو والبلاغة وغير ذلك، يقول ابن الأثير كما في الجامع الكبير وهو يعدد ويُسمى جماعة من العلماء ويصفهم بأنَّهم "المحققون": "وأورده جَماعة من العلماء مثل قدامة والْجَاحظ، وأبي هلال العسكري، والغانمي. . في تصانيفهم في باب الاستعارة، ولم يذكروا أن الأصل فيه تشبيه بليغ. . . . وهو الأصلُ المقيس عليه في التشبيه الذي أجمعَ عليه المحققون من علماء البيان"، وكذلك يصفهم ابن أبي الإصبع المصري في بديع القرآن: "المحققون من علماء البيان"، ويصف السيوطي كما في بغية الوعاة أحد الأدباء بأنه: "أحد أفراد أهل الأدب والمحققين به"، ويصف الفيروزآبادي مُحمد بن طلحة النحوي بأنه راسخ في علم العربية وغلب عليه "تَحقيق العربية والقيام عليها"، كما نقل صاحب البُلَغة عنه.
والمراد بالتحقيق الاصطلاح المعاصر كما وضحه العلامة عبد السلام هارون في رسالته: "بذل عناية خاصة بالمخطوطات حتى يُمكن التثبت من استيفائها لشرائط معينة، فالكتاب المحقق هو الذي صح عنوانه واسم مؤلفه ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلي الصورة التي تركها مؤلفه"، وتَحقيق المخطوطة كما يرى الدكتور مصطفى جواد في فن تَحقيق النصوص بأنه: "الاجتهاد في جعلها ونشرها مطابقة لِحقيقتها كما وضعها صاحبها ومؤلفها من حيث الخط واللفظ والمعنى، وذلك بسلوك الطريقة العلمية الْخَاصة بالتحقيق".
1 / 11