Wadahadalka Aflatoon
محاورات أفلاطون: أوطيفرون – الدفاع – أقريطون – فيدون
Noocyada
معبد دلفي حيث أجابت الراعية بأن سقراط أحكم الأثينيين.
وصدر الحكم بإدانته كما توقع، فترى سقراط بعد هذه الإدانة لا يرق ولا يضعف ولا يلين، بل إنه على النقيض ليسمو وتأخذه نزعة قوية من الكبرياء ... إن «أنيتس» قد اقترح أن تنزل بالجاني عقوبة الإعدام؛ فماذا يقترح سقراط من جانبه؟ (إذ كانت هذه عادة الأثينيين في محاكمتهم). يجيب سقراط بأنه قد كان محسنا للشعب الأثيني؛ فأنفق حياته كلها في تقديم الخير له؛ ولذا فهو يرى نفسه جديرا على الأقل بمثل ما يجزى به الظافرون في الألعاب الأوليمبية؛ أعني أن يعيش على حساب الدولة؛ فليس من الحكمة أن يقترح لنفسه عقوبة أخرى؛ لأنه لا يدري إن كان الموت الذي اقترحه «أنيتس» خيرا أم شرا، وماذا عساه يقترح؟ أيقترح السجن أو النفي، وكلاهما شر محقق؟ نعم قد لا تكون خسارة المال شرا، ولو كان يملك من المال شيئا لاقترح أن يقضى عليه بغرامة مالية، وهنا يتعهد أصدقاؤه أن يدفعوا له الغرم إن قضي به ...
يصدر الحكم بالإعدام.
يقول سقراط لقضاته بعد أن أجروا فيه حكم الإعدام، إنه قد اكتهل، وإن الأثينيين لن يفيدوا شيئا حين يسلبوه السنوات القلائل الباقية له من حياته، ولكنهم سيجلبون على أنفسهم العار بقتله. وقد كان يستطيع أن يلجأ إلى الفرار من أثينا، ولكن فيم الفرار وهو لا يرجو إطالة الحياة؟ بل إنه ليؤثر أن يموت كما يشتهي، فذلك خير من أن يعيش كما يريد له الناس أن يعيش. نعم إنه قضي عليه بالموت، ولكن هذا القضاء بغير شك دنس قضاته بخطيئة الزيغ والفجور، وإنهم في ذلك لأفدح منه مصابا؛ لأن الفجور أسرع لحاقا بصاحبه من الموت، فإن كان هو سيلقى عقوبته بعد حين؛ فقد لقي متهموه عقابهم بالفعل.
أما وهو الآن على وشك الموت، فإنه يتنبأ لهم بنبوءة، إنهم يحكمون عليه بالموت ليتخلصوا ممن ينغص عليهم العيش، ولكن موته سيكون نواة تنتج عددا وفيرا من الأتباع الذين قد يكونون في محاسبتهم أشد منه عنفا وقسوة؛ لأنهم أصغر منه سنا، وأكثر جرأة.
وما دامت أمامه فسحة من الوقت، فإنه يود أن يقول كلمة قصيرة لهؤلاء الذين حاولوا أن يبرئوه؛ فهو ينبئهم أن شارته الإلهية لم تعترضه قط في دفاعه. ولعل معنى ذلك أن الموت الذي يقبل عليه خير لا شر فيه؛ وذلك لأن الموت إما أن يكون نوما طويلا، وبذلك يكون أحلى ضروب النعاس، وإما أن يكون سياحة إلى العالم الآخر حيث تحتشد أرواح الموتى في صعيد واحد؛ وعندئذ تسنح له الفرصة الجميلة بأن يلتقي بفحول الأبطال الذين تولوا قبله، ومما يحبب في تلك الحياة أنها خالدة، فلن يكون ثمة موت يجزع منه الناس فيكتمون آراءهم في نفوسهم.
إنه يستحيل أن يصيب الرجل الطيب شر لا في حياته ولا بعد مماته، ولقد رضيت الآلهة لسقراط أن يرحل؛ فهو إذن يعفو عن قضاته لأنهم لم يؤذوه بقضائهم فيه، بل هم على عكس ذلك ساقوه إلى الخير، وإن يكن خيرا لم يقصدوا إليه قط.
ويعقب سقراط على هذا القول بطلب أخير: فهو يرجو الناس أن يرهقوا أبناءه من بعده، كما أرهقهم هو (أي أرهق الناس)، وذلك إن بدا منهم أنهم يؤثرون المال على الفضيلة، أو ظنوا في أنفسهم العلم وهم جاهلون.
دفاع سقراط
لست أدري أيها الأثينيون كيف أثر متهمي في نفوسكم، أما أنا فقد أحسست لكلماتهم الخلابة أثرا قويا أنسيت معه نفسي، وإنهم لم يقولوا من الحق شيئا، ولشد ما دهشت إذ ساقوا في غمر باطلهم نذيرا لكم أن تكونوا على حذر، فلا تخدعكم قوة فصاحتي، إني إذا نبست ببنت شفة نهضت لكم دليلا على عي لساني وافتضح أمرهم، وإنهم بذلك عالمون، ولكنهم يمارون ولا يخجلون، أم تراهم يطلقون الفصاحة على قوة الحق؟ إذن لأشهدت أني مصقع بليغ ... ألا ما أبعد الفرق بيني وبينهم! فهم كما أنبأتكم لم ينطقوا كلمة صدق، أما أنا فخذوا الحق مني صراحا، ولن أصوغها عبارة خطابية منمقة كما فعلوا، لا والله، بل سأسوق الحديث والأدلة إليكم عفو ساعتها؛ لأني على يقين من عدالة قضيتي، فلن أقف يوما بينكم أيها الأثينيون موقف الخطيب الصبياني ما دمت حيا، فلا يرجون الآن أحد مني خطابا، ولعلي أظفر منكم بهذا الفضل إذا دافعت عن نفسي بأسلوبي المعهود؛ فجاءت في دفاعي كلمات قلتها من قبل، وسمعها بعضكم في الطريق أو عند موائد الصيارفة أو في أي مكان آخر، فلا تدهشوا ولا تقاطعوا الحديث؛ لأني أقف - وقد نيفت على السبعين عاما - للمرة الأولى في ساحة القانون، فلم آلف لغة هذا المكان، فانظروا إلي نظركم إلى الغريب تلتمس له المعذرة لو جرى لسانه بلغة قومه ولهجة وطنه. وما أحسبني بذلك أطلب شططا، فدعكم من عبارتي التي قد تكون حسنة وقد لا تكون، وانظروا في صدق العبارة وحده، وإذا حكم منكم قاض فليحكم بالعدل، وإذا نطق متكلم فلينطق بالحق.
Bog aan la aqoon