كان يسمعهم جيدا وهو يرتجف داخل التابوت، جسده ينزف، والألم يخز صدره ويعتصره بصمت، ولم يصرخ، وضع يده على فمه مرغما نفسه على الصمت، ثبت باليد الأخرى ركبته كي لا يرتجف التابوت مع ارتجافه إلى أن حانت لحظة الدفن وقرر أن يصرخ كي لا يقتله التراب، أطلق صرخة موجعة تكفي ليصمت الجميع مذهولين بما يرون ويسمعون. •••
انتزعت كل الصور المعلقة، سقطت الجدارية، وأخذوا الرايات المعلقة وعلق دورها إلى لحظة استشهاد أخرى، سكتت الأغاني الوطنية، وعاد الأصدقاء إلى المقهى يتبادلون أطراف الحديث، وأعاد البقال كراتين التمر إلى تاجر الجملة، وغير الشاعر عنوان القصيدة، أما أم «الشهيد» فقد عادت إلى البيت وأجهشت بالبكاء ... عندها فقط استطاعت البكاء بكل ما أوتيت من فرح وحزن.
الرمية الأخيرة
«إلى الشهيد غسان عباس الريماوي،
ذاك الذي حسم سؤال الموت والحياة.»
1
إنها الرمية الأخيرة .. رمية لا دور للحظ فيها .. فالإنسان هنا من يختار، هو صاحب القرار .. هي رمية بوجهيها؛ الموت والحياة .. هل كان عليه أن يختار حياته؟ ذاك الإنسان الذي قضى السنوات الأخيرة من حياته في مجابهة ندية مع الموت إلى أن تعطلت خلاياه وأجهزته.
وحدها الأجهزة الأمنية ما تعمل؛ تلك التي عرفت حياة غسان جيدا، ولكنها لم تستطع أن تجد ذلك الإله العملاق في جسده الصغير، الواهن، المتهالك والعاجز، ذاك الذي كان أشبه بستارة تعصفها الريح!
2
الرمية الأولى .. تنطلق قطعة النقد من يد الضابط «خيمي» فيما كان غسان ينظر في وجه شقيقه المكبل أمام الدورية، أحد الجنود يصوب بسلاحه على وجه أخيه وقطعة النقد لم تزل تعلو.
Bog aan la aqoon