Muhammad in the Torah, Gospel, and Quran
محمد في التوراة والإنجيل والقرآن
Daabacaha
دار المنار
Noocyada
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: محمد في التوراة والإنجيل والقرآن
المؤلف: الشيخ / إبراهيم خليل أحمد
(من كبار علماء النصارى مَنَّ الله عليه بالإسلام)
الناشر: دار المنار - ١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م
عدد الأجزاء: ١
تنبيه:
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ.
1 / 8
تقديم للمؤلف
الحمد لله الذي هداني للإسلام دينًا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا، والصلاة والصلام على سدينا محمد وعلى آل بيته أجمعين ... أما بعد:
فقد نشأت نشأة دينية، وكان طبيعيًا أن خصصت حياتي وجهادي ومالي في سبيل الله مخلصًا متفانيًا ابتغاء مرضاته.
والله ﷾ قد خلق الإنسان وفضله على سائر خلقه بما حباه وكمله بنعمة العقل والقدرة على التعقل والإدراك، وكان لهذا حقًا لله سبحانه أن يخاطب الإنسان على ما يفعله إن كان خيرًا فخير، وإن شرًاَ فشر.
والله ﷾ تمكينًا للإنسان من العزة وبالعقل لم يفرض كيانه فرضًا سواء أرضى أو لم يرض، بل توخى هبته للإنسان من العقل، ومن العقل أراد أن يدخل إلى قلب الإنسان بالإيمان، لهذا قيل في الإنجيل للباحثين عن الحق: "وتعرفون الحق والحق يحرركم".
وفي هذا المعنى يقول رسول الله ﷺ: "رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم"
[رواه أحمد وابو داود والترمذي]
ويقول تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ بَلْ يتجه الله جل شلأنه إلى أُلئك الذين لم ينهموا بنعمة البصر فيستلهمهم البصيرة بقوله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ .
وهكذا يهدي الله الإنسان إلى الطاقات العظمى لنعمة العقل لتكون أساس الإيمان.
والتاريخ شاهد صدق كل رجال من كبار اللهوتيين الذين نشدوا الحق واستبسلوا له، فهذا آريوس في القرن الثالث الميلادي الذي استبسل لعقيدته عن المسيح ﵇ بما يتقارب مع عقيدة المسلم عنه.
وذاك لوثيروس الذي نادى بالإصلاح الديني وحمل لواء الإصلاح في عزم وتصميم
1 / 9
ونادى بأن الله وحده هو الغفور الرحيم وأن البشر جميعهم سواسية أمامه لا فضل لكاهن على مواطن بالتقوى.
وفي هذا يقول نبي الله داود ﵇: "باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته، الذي يغفر جميع ذنوبك، الذي يشفي كل أمراضك"
بل يؤكد أن الغفران لله جل شأنه وحده فيقول: " عند كثرة همومي في داخلي تغرياتك تلذذ نفسي".
وبهذا يخلص إلى الحقيقة التي يؤمن بها المسلم والتي يوضحها قول داود ﵇: "كنت تراقب الآثام يارب يا سيد فمن يقف. لأنه عندك المغفرة لكي يخاف منك".
إذن الطريق إلى الله واضح العالم، والوصول إليه رائده المنطق والعقل، والرسالات السماوية جميعها تناشد الإنسانية ما قاله المسيح ﵇:
"الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا"
وفي هذا المعنى يقول ﷾:
﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾
والذي حفزني إلى البحث بغية النفع العام هو ما تنبأ به المسيح ﵇ عن الرسول الكريم سيدنا محمد ﷺ بقوله: "الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا. لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره"
ومن دواعي الاطمئنان واليقين، أن هذا السند يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقوله تعالى:
﴿الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾
من هنا بدأت في اطمئنان ويقين تام أبحث عن هذا الرسول النبي الأمي الذي تنبأ عنه المسيح ﵇ وأشار إليه بقوله، "المسيا المنتظر"
1 / 10
ومن هنا بدأت أربط بين رأي آريوس في القرن الثالث الميلادي، وآراء لوثيروس في القرون الوسطى، والنبوءات العديدة في التوراة والإنجيل، والأنبياء والمزامير عن الرسول المصطفى حتى مكنني الله من إخراج هذا المؤلف الطيب لأمة خيرة.
وكان ما استرعى نظري عن الإعداد لهذا البحث العناصر الآتية:
١ - الوحدانية.
٢ - الغفران.
٣ - المبادئ وتقويمها بالأشخاص.
٤ - الرسالات السماوية.
١ - الوحدانية.
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾
وأخذت أتامل الوحدانية في القرآن الكريم، الأمر الذي يستطيع العالم وغير العالم فهمه واستيعابه وإدراكه والإيمان بما يتضمنه من المعاني، من غير إجهاد الفكر، أو عناء الدرس والتحصيل.
وقارنتها بالوحدانية التر وردت في إنجيل متى في الباب الأول والعدد الأخير: الآب والابن والروح القدس "إله واحد آمين" وعند دراستي النص الأصلي علمت أن هذه العبارة لم ترد في الأصل اليوناني.
هذا بالإضافة إلى بلبلة أفكار عامة الناس وحيرة جهابذة العلماء في الدفاع عن هذه العقيدة السقيمة التي كشف التاريخ عنها القناع. وأكد العلامة جارسلاف كرينى أستاذ الحفريات من جامعة أكسفورد في كتابه "ديانة قدماء المصريين" أن عقيدة التثليث مستمدة من الوثنية الفرعونية.
٢ - الغفران:
قرأت بتأمل وتقكر قوله تعالى:
1 / 11
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
وقارنت بين هذه الآية وما ورد في الإنجيل عن الغفران: "بدون سفط دم لا تحصل مغفرة"، وبالقول: "هكذا أحب الله حتى بذل ابنه الحبيب لكيلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية".
قارنت بين العقيدتين:
الأولى: أن رحمة الله ومغفرته تكون لعباده دون قيد أو شرط مادي.
الثانية: أنها مقيدة بقيود من جانب الله ببذل ابنه الحبيب حسبما يعتقدون، ومن جانب المرء بضرورة الإيمان بهذا الابن.
ومن هذه العقيدة نشأت فريضة كنسية تعرف بسر الأفخار ستبا، أو سر الشكر، وفيخا يؤمن المسيحي باستحالة الخبز إلى جسد المسيح، واستحالة الخمر إلى دم المسيح حقيقة، وبتناولهما تصير في حياة أبدية.
ومن هذه العقيدة نشأت صكوك الغفران، وما أدراك ما صكوك الغفران! إنها بدعة وخروج عن الحق الإلهي، وكم ندد بها زعماء الإصلاح في القرن الخامس عشر وعلى رأسهم لوثيروس الألماني ثك زوينجلي ثم كلفن وغيرهم.
فحمدت الله على رحمته الواسعة ومغفرته اليقينة بدون قيد ولا شرط مادي، بل بتوبة صادقة وعزم على الحياة الطاهرة:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [صدق الله العظيم]
٣ - المبادئ وتقويمها بالأشخاص:
قرأت قول الله تعالى ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
وقرأت ما جاء بالإنجيل: "إذن لسنا أولاد جارية، بل أولاد حرة".
وزال عني العجب للتفرقة العنصرية عند الأمرييكن في أيامنا هذه بين البيض
1 / 12
والسود، وزاد إعجابي وإجلالي للمسلمين أن سيد القوم يقف بجانب المواطن العامل والمزارع والتاجر والموظف، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، راكعين، ساجدين يخشون ربهم ويرجونه الرضا والعفو، فأيقنت أن مجد الإسلام والمسلمين في هذا التساند الجميل، والتآخي الحبيب، "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى".
٤ - الرسالات السماوية:
قرأت قول المسيح ﵇، ومثاله: "خرج الزارع ليزرع وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق" وقرأت كتابة بولس. ومثاله: "فإني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن ولكني أرى قاموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعشائي، ويحى أنا الشقي من ينقذني من جسد الموت هذا؟! ".
قولان: أحدهما للمسيح يمتاز بالبساطة ووضوح التعبير، وثانيهما يمتاز بعمق وغور المعاني، وكلاهما ينسب إلى الله جل شأنه.
وقرأت في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ...﴾ . وما قبل فاتحة القرآن الكريم إلى قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ﴾ إلخ السورة، وتأملت وتدبرت، وإذا بالله العزيز الحكيم يحسم الأمر بقوله: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ ثم يتحدى الله خلقه بقوله: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ .
فازددت إيمانًا ورسوخًا، وقرتت قرارًا، واعتزلت الخدمة الدينية وظيفة، وانتهجت نهج الأعمال الحرة. فعملت بشركة استندر ستيشيزي بالقاهرة من سنة ١٩٥٥ إلى سنة ١٩٥٩ لكسب عيشي بالحق والأمانة، ومازالت تربطني بالكنيسة روابط كثيرة.
ويشاء الله أن يهيدني إليه، أليس هو القائل: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾، ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ .
1 / 13
ويشاء الله أن يعقد بيني وبينه حبًا وودًا قائمًا، فيهدي إلى سيادة الدكتور محمد عبد المنعم الجمال حيث تلاقينا على تفسير القرآن الكريم، فوسعني في قلبه حبًا، وإعجابًا، ووسعني بمنزلة منزلة وكرامة في دراسة وتفسير للقرآن الكريم، وآليت على نفسي أن أعلنها صراحة بقبول الإسلام دينًا، وبراءتي من كل دين يغاير ويخالف دين الإسلام.
ودخلت وأبنائي الأربعة إلى دين الله أفواجًا، نسبح بحمده وتمت كل الإجراءات القانونية من تغيير شهادات الميلاد بموجب قرار وزاري صادر من وزارة الصحة قسم المواليد بتاريخ ٣٠/٥/١٩٦٠ م.
وبهذا انتهيت من الجهاد لاعتناق الإسلام حيث بدأت الجهاد في سبيل الله ورسوله الكريم بحياة إسلامية مضيئة مشرقة نقية طاهرة، وبالدعوة القوية المفعمة بالحب والإخلاص للقرآن الكريم والإسلام الحنيف.
وفقنا الله لما يريد، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
إبراهيم خليل أحمد
سابقًا: القس إبراهيم خليل فيلبس
* * *
1 / 14
تقريظ للمغفور له الأستاذ علي حسب الله
الأستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة (سابقًا)
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، أرسله الله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله، ففتح به قلوبًا غلفًا، وأعينًا عميًا، وارتفع شأنه وعلا ذكره بأولئك الطيبين الطاهرين، الذين سبقوا إلى الإيمان به، ونصروا الرسول بأموالهم وأنفسهم، فسجل الله ذكرهم في كتابه الكريم.
﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
﴿سَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾
لقد أرسل الله محمدًا ﷺ بقواعد الحق، ومبادئ الفطرة السليمة، التي تصلح بها أمور الناس في الدنيا والآخرة، والتي يتقبلها العقل البشري بقبوب حسن إذا بعد التأثر برواسب الجهل، وبواعث الانحراف والضلال، ومن تقليد الآباء، والاعجاب بمظاهر دنيوية لا تمت إلى الحق والخير بصلة، وإذا أراد الله بعبد من عباده الخير والهداية بصره بما في الحق من جمال وانسجام، وبما في تلك العوامل والبواعث من انحراف عن الصراط المستقيم، واتجاه إلى سوء المصير، فسلك إلى الحق طريقه، وبعد عن طريق الهلاك:
1 / 15
﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
والأخ السيد "إبراهيم خليل أحمد" من المثل الطيبة للتحول من الضلال إلى الهدى بتوفيق من الله تعالى، وبدارسة عاقلة بصيرة، وهو من الأدلة الصادقة على أن توجه إلى الله قبله، ومن تقرب إليه شبرًا تقرب الله منه ذراعًا، ومن تقرب إليه ذراعًا تقرب منه باعًا.
لقد أثار العليم الخبير وجدانه بآية سمعها من كتابه الكريم:
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾
فكانت مصباحًا أضاء جوانب قلبه، ووجهه إلى البحث عن الحقيقة، فأخذ يصارع - بإرادة قوية، وعقل واع، ونية طيبة - عقيدة قديمة، تغلقت بقلبه منذ وجد عليها الآباء وقد بوأته متعبًا وجاها، وأغدقت عليه رزقًا حسنًا، واستمر في ضالة العقلي والنفسي دون أن يلويه عن غرضه منصب أو جاه، أو يفكر فيما هو فيه من سعة الرزق، وما يمكن أن يصير إليه من حاجة. حتى شرح الله صدره وهداه إلى دين الحق أغناه عن كل ما كان فيه:
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾
لقد رأى من أول الواجبات عليه أن يضع تحت سمع الناس وبصرهم ما وفقه الله إليه من دلائل الحق ومعالم الهدى، فقد يهدي الله به رجلًا واحدًا فيكون خيرًا له من الدنيا وما فيها، فجعل باكورة عمله في الإسلام ذلك الكتيب، الصغير في حجمه، والكبير في قيمته: "محمد ﷺ في التوراة والإنجيل" لينبه به الغافلين، ويحفز إلى التفكير همم العاقلين.
1 / 16
وكان من أظهر ما وجه إليه الأذهان في هذا الكتيب أمور تعتبر في الدين من أصول العقيدة والسلوك المستقيم، وهي من الوضوح بحيث لا ينبغي أن يماري فيها عقل الإنسان، ومن هذه الأمور:
١ - وحدة الإله:
إن وجود هذا الكون - بما فيه من نظام محكم، وتناسق دقيق - يقتضي عقلًا وجود موجد متصف لكل صفات الكمال التي تلائم دقة نظامه وأحكام تناسقه، وهذه قضية سهلة لا التواء فيها، ومن زعم أن الكون لا خالق له، فهو مكابر، يعترف بالأثر وينكر المؤثر. ومن زعم أن له أكثر من خالق فعليه الدليل، ولن يجد دليلًا على وجود معدوم، وإذا لم نكن مطالبين بإقامة الدليل على نفي التعدد، لأن المطالب بالدليل هو المثبت لا النافي - فقد تفضل العليم الحكيم على المنحرفين القائلين بالتعدد بالتنبيه على ما في مقالتهم من فساد بقوله سبحانه:
﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾
وبهذا يتقرر في العقل ما قرره القرآن الكريم في قوله سبحانه:
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾
ويقابل هذه العقيدة السهلة السمحة في الإسلام - عقيدة التثليث المعقدة في المسيحية، التي تنزل الله من عليائه ليحل في بعض خلقه، أو ترفع بعض المخلوقين إلى منزلة الخالق، مما يبلبل أفكار عامة الناس، ويحير جهابذة العلماء.
وقد بين السيد إبراهيم في بحثه أن هذه العقيدة دخيلة على المسيحية، وليس لها وجود في الأصل اليوناني للإنجيل، بل هي مأخوذة من الوثنية الفرعونية، والمبادئ البابلية التي وجدت في لوحة أثرية عثر عليها في بابل، ويرجع تاريخها إلى سنة ١٢٠٠ ق. م ولم تقرر هذه العقيدة عند المسيحيين إلا في مجمع نيقية المنعقدة سنة ٣٢٥ م م بدعوة من الإمبراطور قسطنطين بسبب الخلاف بين الأسقف آريوس والشماس أثناسيوس الإسكندريين.
قال الأسقف: إن المسيح مخلوق لله، ومتصف بكل الصفات الإنسانية وتعتريه كل العواطف البشرية، من نوم ويقظة، وفرح وحزن، وغير ذلك، فلا يكون إلهًا بحال.
1 / 17
وقال الشماس: إن المسيح ابن الله، والابن لابد أن يكون مساويًا للأب، لأنهما من عنصر واحد، فلابد أن يكون المسيح إلهًا مثل أبيه.
وقد صدر قرار بإدانة الأسقف، لأن فكرته تقلل من شأن المسيح، كأن المسيح لا يرتفع شأنه - وهو بشر - إلا إذا وضع - برغم أنف العقل والنصوص الدينية - في مصاف الآلهة.
وفي سنة ٣٣٤ دعا الإمبراطور قسطنطين إلى مجمع صور، الذي قرر إلغاء قرارات مجمع نيقية، وعفا عن الأسقف، وقبل تعاليمه.
ثم مازالت المجامع تنعقد، وتقرر القرارات المختلفة - مما يدل على اضطراب العقيدة وعدم اعتمادها على أساس - حتى انقسم المسيحيون بسبب قرارات مجمع القسطنطينية الرابع سنة ٨٦٩ م - قسمين، وأصبح لهم كنيستان: شرقية أرثوذكسية بالقسطنطينية، وغربية كاثوليكية بروما، ثم كانت حركة مارتن لوثر سنة ١٥١٧م التي نشأت بسسها كنيسة ثالثة بروتستانتية بألمانيا، انتقلت بعد إلى انجلبترا والولايات المتحدة.
وقد اكتشفت حديثًا فوق هضبة بجوار البحر الميت - مخطوطات يرجع تاريخها إلى سنة ١٠٠ ق. فيها معلومات تصحح الفكرة الخاطئة عن ألوهية المسيح ﵇، وقد أرسل الدكتور تريفور صورة منها إلى الدكتور و. ف. ألبرايث - وهو حجة في علم آثار الإنجيل فهنأه على هذا الكشف، وقال: إنه " لا يشك أحد في العالم في صحة هذه المخطوطات التي ستحدث ثورة في فكرتنا عن المسيحية".
ويؤخذ من هذه المخطوطات أن عيسى ﵇ ابن الإنسان وليس ابن الله كما ادعى أتباعه من قبل.
٢ - غفران الذنوب:
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾
1 / 18
ويقول ﷾: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾
ويقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
وفي الحديث القدسي أن رب العزة ﷻ يقول: "يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم، وبهذا كان باب التوبة في الإسلام مفتوحًا لكل من يطرقه من بني الإنسان، وتقبل توبة التائب - بندمه على ما فرط منه، ومعاهدته ربه على عدم العودة إلى ما يغضبه، ولا تتوقف على شيء من غيره.
أما في المسيحية "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" و"أحب الله العالم حتى بذل ابنه الحبيب لكيلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية"، وهو كلا تظهر عليه مسحه الوضع البشري، لاستهواء أفئدة العامة، وحملهم على حب المسيح، والإيمان به. ولا يدري عاقل كيف يصل العجز بالإله إلى الحد الذي لا يستطيع معه أن يغفر للبشر إلا بتقديم ابنه الحبيب قربانًا، فإلى من يتقرب؟ وإلى من يتقدم بالرجاء؟ وكيف تغفر ذنوب السابقين واللاحقين بتقديم ابنه قربانًا؟ وهل هذا إلا فتح لباب المعصية في المستقبل اعتمادًا على هذا الغفران؟
وقد نقل إلينا إبراهيم في هذا الموضع كلام العلامة روى ديسكون سميث في كتابه "ضوء جديد على البعث" إذ قال: "لا يوجد متدين مهما كان مذهبه أو فرقته يعتقد أن الله العظيم قد أرسل ابنه الوحيد إلى هذه البشرية التي لا تساوي - في مجموعها منذ بدء الخلق إلى نهايته - كوكبًا من الكواكب المتناهية في الصغر، لكي يعاني موتًا وحشيًا على الصليب، لترضيه النقمة الإلهية على البشر، ولكي يساعد جلالته على أن يغفر للبشرية على شرط أن تعلن البشرية اعترافها بهذا العمل الهمجي - ألا وهو الفداء - الذي لا يستسيغه عقل ... ولماذا لا نقول: إن الله العالم بما سيكون سمح بتضحية رسوله لا ليغفر للبشرية جرائمها، بل لتكون هذه الحادثة سببًا في انتشار الإنجيل".
1 / 19
وقد ذكر السيد إبراهيم أن الصليب اتخذ شعارًا منذ آلاف السنين قبل المسيح ﵇، وجاء في إنجيل برنابا - أن المسيح ﵇ لم يقتل ولم يصلب، وإنما وقع القتل والصلب بشبيه به، وأن محمدًا ﷺ متى جاء سيكشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله، وقد نفى القرآن الكريم ذلك حقًا في قوله تعالى:
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾
٣ - المساواة بين الناس:
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
ويقول الرسول الكريم محمد ﷺ: "أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم".
ويقول ﷺ: "لا فصل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود - إلا بالتقوى"
فالقياس الذي يتفاضل به الناس عند الله هو التقوى والعمل الصالح، أما الجنس واللون فلا أثر لشيء منهما في رفعة شأنهم أو ضعته.
أما الأناجيل الموضوعة فقد ورد فيها تفاخرهم بأنهم أولاد حرة لا أولاد أمة: "إذن لسنا أولاد جارية، بل أولاد حرة". ولا يزال لهذا المعنى رواسب في نفوس القوم إلى اليوم، يظهر أثرها في التفرقة العنصرية في أمريكا وجنوب أفريقيا.
٤ - البشارة بمحمد ﷺ:
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾
وقد بين السيد إبراهيم أن هذه البشارة وردت في التوراة والإنجيل.
وردت في التوراة في قوله: "أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك، لأجعل كلامي
1 / 20
في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به" وهي عبارة مجملة، فسرها اليهود بمجئ رسول منهم، لا من ولد إسماعيل، وكأن الله تعالى جعل هذه العبارة مجملة، وألهمهم هذا التفسير حفظًا لهذه البشارة، لأنهم لو عرفوا أن الرسول المبشر به سيكون من ولد إسماعيل لأخفوها أو محوها وقد أثبتت الأيام أن الرسول المبشر به هو محمد ﷺ.
ورد في الإنجيل ما يدل على انتقال النبوة من ولد إسحاق إلي ولد إسماعيل في قوله: "الحجر الذي رفضه البناءون قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عحيب في أعيننا، كذلك اقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم، ويعطي لأمة تعمل أثماره".
والحجر الذي رفضه البناءون كناية عن إسماعيل ﵇ جد محمد ﷺ الذي قال: "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبهم البناء فيقولون: ألا وضعت ها هنا لبنة ليتم البناء؟ فأنا اللبنة جئت فختمت الأنبياء".
وقال المسيح ﵇ للحواريين: "إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون الآن أن تحتملوا وأما مت جاء ذاك - روح الحق - فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آيته".
ويؤخذ من المخطوطات التي عثر عليها بجوار البحر الميت كذلك أن عيسى كان مسيا المسيحيين وأن هناك مسيا آخر سيأتي بعده، وقد قال عنه المسيح: "ومتى جاء المعزى - البار قليط - فهو يشهد لي". ومحمد ﷺ هو الذي جاء بعده، فشهد له وأنصفه، ودافع عنه وعن العقيدة الصحيحة التي جاء بها.
وقد جاء في إنجيل برنابا - الذي استبعدته الكنيسة في عهدها الأول، وحرم البا جلاسيوس قراءته سنة ٤٩٢ م - ما يؤيد هذه المخطوطات ما فيها من إجمال قال: "فلما كان الناس قد دعوني الله، وابن الله - على أني كنت بريئًا في العالم - أراد الله أن يهزأ الناس في هذا العالم بموت يهوذا معتقدين أنني أنا الذي مت على الصليب لكيلا تهزأ الشياطين بي في يوم الدينونة وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله،
1 / 21
الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمونون بشريعة الله".
وبهذا تكون البشارة في الإنجيل المختلفة مطابقة للبشارة في التوارة، فللبشرية نبي كموسى، من وسط إخوتهم، وينزل عليه كتاب يكلم الناس بما فيه، وهو روح الحق، لا يتكلم من نفسه، بل بما يوحى به إليه، وصدق الله العظيم في قوله تعالى:
﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾
ومهما أخفى القوم من الأناجيل الصحيحة فإن القرآن الكريم قد تكفل ببيان ما لابد من بيانه مما أخفوا، قال تعالى:
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
وهكذا يسلط السيد إبراهيم خليل الأضواء على أشهر مواضع الخلاف بين الديانتين المسيحية والإسلامية بخبرته السابقة، ويستخلص الحق فيما وقع فيه الخلاف، مؤيدًا ما اهتدى إليه بالعقل والنقل، ومبينًا منشأ ما عليه القوم من انحراف في العقيدة، وأن الحكام وبعض رجال الدين أرادوا بتضليلهم الولاية على الشعب واستغلاله.
والله ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
علي حسب الله.
1 / 22
تقريظ للمغفور له الشيخ عبد الحليم محمود علي شيخ الجامع الأزهر السابق:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله وصحبه والتابعين، وبعد:
فقد طوف بنا الأخ الفاضل الأستاذ إبراهيم خليل أحمد، على مراحل التحريف للدين المسيحي مستندًا لها بأسانيد تاريخية ودينية في عرض مقارن.
وخلص من كل ذلك إلى دين الحق الذي يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون، وليحق الحق، ويبطل الباطل ولو كره الكافرون.
ولقد تحدث سيادته عن دخوله في الإسلام بعد أن تداركته عناية الله، إذ سمع قوله تعالى:
﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾
فشرح الله صدره للإسلام، وأخذ يبحث في قضايا الوحدانية، والغفران وتقييم المبادئ بالأشخاص، والرسالات السماوية في عرض مقارن.
وهو في هذا العرض التاريخي الدقيق المستند إلى النصوص والوثائق الصحيحة والمنطق العقلي يؤيد الإسلام تاريخيًا فيما أتى به القرآن وحيًا من السماء.
وممن أثبت هذا من علماء الغرب بصورة واضحة سافرة، الأستاذ (شارل جنيبير) أكبر أستاذ لتاريخ الأديان في فرنسا، مع أنه من أسرة مسيحية، وكتبه مشهورة معروفة، ومكانته العلمية ذائغة شائعة.
1 / 23
وإننا أمام هذه الرسالة القيمة، لنشكر الأستاذ إبراهيم خليل أحمد، فلقد وفق كل التوفيق في إخراجها للناس إحقاقًا للحق وإبطالًا للباطل في حيدة تامة، لك يكن مدفوعًا بدوافع عاطفية أو مادية، وإنما كان من عشاق الحق لذاته، غير مبال بما يصيبه في سبيله.
ونرجو الله تعالى أن يديم له التوفيق والرشاد.
وقد بين أن التثليث دخيل على المسيحية الحقة، وأنه مستورد من الوثنية الفرعونية، كما صرح بذلك الأستاذ (جارسلاف كرينى) أستاذ الحفريات بجامعة (أكسفورد) في كتابه (ديانة قدماء المصريين) وأن هذا التثليث لم يوجد في الأصل اليوناني.
وصكوك الغفران، واستحالة الخبز إلى جسد المسيح ﵇، خروج عن الحق الإلهي، كما صرح بذلك زعماء الإصلاح في القرن الخامس عشر، وعلى رأسهم: (لوثيروس الألماني)
وبشرت التوراة بالرسول محمد ﷺ. ففي سفر التثنية ٣٣: ٣ "جاء الرب من سيناء، اشرق لهم من سعير، تلألأ من جبل فاران".
وتلك هي الرسلات الثلاث: لموسى وللمسيح، ولمحمد عليهم جميعًا أفضل الصلاة والتسليم.
وهذا مصداق قوله تعالى في القرآن الكريم:
﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ .
لأن منبت التين والزيتون مهجر إبراهيم. ومولد عيسى ﵉، وطور سيناء مكان مناجاة الله تعالى لموسى ﵇، وفاران في مكة: مولد الرسول محمد ﷺ.
وجاء في أسفار الأنبياء عليهم الصلاة: أنه ﷺ روح الحق، والفارقليط، والمعزى، وأنه لا يتكلم إلا بما سمع من الله تعالى، وأنه اساس الحق ورأس زاويته، وهو البار الذي تنبأت به زوجة الوالي الروماني.
والمخطوطات والآثار القديمة، تثبت بشرية المسيح ووحدانية الله، ومجئ محمد عليه وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد صرح إنجيل برنابا بذلك كله.
1 / 24
وكلمة (مسيا) آرامية معناها (رسول)
وعند مجئ الرسول علية الصلاة والسلام يسجد العالم شكرًا وسيجعل كل سنة هذا اليوبيل بدل كل مائة سنة، وهذا الذي قاله برنابا معناه: الحج في الإسلام وهو الركن الخامس منه.
وكلمة (إنجيل) معناها: بشرى، لأن المسيح ﵇ جاء مبشرًا بقدوم محمد ﵇.
وتعاليم المسيح ﵇ تهدم التعصب الطائفي والعنصري كما جاء في قصة الكاهن الذي مر عليه وتركه، ولقد صرح الأسقف الإسكندري (آريوس) بأن المسيحية قد حرفت بما دخل عيلها من المبادئ الفلسفية المستوردة من الهند والصين وفارس، ومصر، فلم يبة إذ غير الرجوع للحق ولدين الحق الذي تكفل الله بحفظه:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾
ولي أجمل من هذا ولا أحسن:
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ . وبالله التوفيق.
عبد الحليم محمود علي
* * *
1 / 25
تقريظ لفضيلة الشيخ محمد الغزالي السقا
مدير الدعوة بوزارة الأوقاف "سابقًا"
دراسة الملل والنحل جزء مهم من ثقافتنا الدينية القديمة ... ودراسة النصرانية خاصة وكتبها المقدسة لديها موضوع احتذب انتباه العلماء المسلمين وكثرت فيه مؤلفاتهم.
ولا عجيب، فإن العلاقات بين الإسلام والنصرانية ظلت متشابكة ومعقدة منذ أمد طويل.
ومن المحزن أن تسفك فيها دماء كثيرة. وكان أولى بالفريقين أن يقبل كل على ما لدى الآخر يدرسه بعناية وتمحيص ثم يدع للفكر المجرد أن يصدر حكمة، وللرغبة الخالصة أن تأخذ وجهتها.
ونحن - المسلمين - غير مسئولين عن الطريقة الدامية التي سارت فيها العلاقات العالمية بين الإسلام والصليبية. إن الحقد التقليدي جزء من السياسة الأجنبية نحو الإسلام.
أما الإسلام فهو يقول لأتباعه: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾
لكن ما الذي أنزل إلى أهل الكتب الأولى؟
أن المواريث السماوية بين أيدى القوم تحتاج إلى تأمل وطول نظر ففيها كلام حسن عن الله الواحد، وعن وصاياه للعالمين بالاستقامة والتقوى.
1 / 27
وهذا الكلام يستحق القبول والعناية.
بيد أن هناك كلامًا آخر يشعر الإنسان الحصيف بقلق عندما يتلوه، ذاك الذي ينسب إلى الله الكبير صفات تتنزه عنها ذاته العليا ... ثم ذاك الذي يؤرخ لأنبياء الله وهم قمم الإنسانية من أزلها إلى أبدها - فيبرزهم وكأنهم خريجو حانات وأحلاس شهوات.
وشيء آخر لا يعود إلى هذه الكتب قدر ما يعود إلى أصحابها وهو تراطؤهم على جحد العروبة ونبيها الخاتم لما سبق، صاحب الرسالة التي قدر الله أن تصحب العالم في مراحل وجوده حتى الحصاد الأخير للنشاط الإنساني فوق الأرض.
إن إنكاره نبوة محمد صلوات الله عليه وتناسى دلائلها الثابتة في الكتب المقدسة عند القوم شيء مستغرب.
ومن حق الباحث المسلم أن يجلو غوامضه.
وقد وفق الله الأخ المخلص السيد إبراهيم خليل أحمد إلى تأليف هذه الرسالة في هذا الموضوع، وسيادته خبير به، بل خبير بالعهد القديم والعهد الجديد.
وعندي أن صحاب الدراسات الإسلامية لا يستكملون ثقافتهم حتى يطلعوا على أمثال هذه الرسائل ويتعرفوا منه ما لدى الآخرين من ثراث يقترب منا أو يبتعد عنا.
وفق الله المؤلف الفاضل إلى خدمة الحق وأجزل مثوبته.
٣/١١/١٩٦٣
محمد الغزالي
1 / 28