Maxamed Cali Janaax
القائد الأعظم محمد علي جناح
Noocyada
وكان القائد الأعظم يزور كلكتا في شهر مارس (سنة 1946) داعيا للعصبة الإسلامية؛ فوجه إليه وفد من العمال بعض الاعتراضات على تكوين العصبة وقال له أحدهم: يقول الناس: إن العصبة الإسلامية طائفة من الأغنياء لا محل بينها للفقراء.
فأجابه القائد الأعظم قائلا في صراحته التي لا التواء فيها: «من هم أولئك القائمون بالعصبة؟ إنهم ليسوا أغنياء، ودستور العصبة، بعد، دستور ديمقراطي، فإن كان في العصبة أغنياء طماعون فهم هناك لضعفكم أنتم وتهاونكم؛ لأنكم لا تختبرون قائدكم قبل اتباعه، وما للزعماء من قوة غير التي يستمدونها من الشعب ومن الفقراء، فعليكم قبل أن تسلموهم زمام القوة أن تختبروهم؛ فمن وجدتموه غير أهل للأمانة فانبذوه.»
قال أحد العلماء: «إن بعض الرؤساء لا يهتمون اهتماما فعالا بشئون الشعب وشكاياته.» فعاد القائد الأعظم يقول: «إذن عليكم أن تخرجوهم، فإنما أنتم الذين تصنعون الزعماء، فإن لم يعرفوا الأمانة فلا تقلدوهم الزعامة، وعاملوني أنا هذه المعاملة، واتخذوا من مستر تشرشل مثلا تعتبرون به، فإنه على كونه أنجح قادة الحرب قد نبذته أمته.»
شجاعته في معارضة الجماهير
واتفق مرة أن هيئة المؤتمر وهيئة العصبة الإسلامية معا أجمعتا على سياسة واحدة في مسألة الخلافة، ولم يكن جناح على رأيهم في الخطة التي أجمعوا عليها، فوقف وحده يعارض المؤتمر والعصبة ومن ورائهما الجموع الثائرة ... وكان في الاجتماع نحو خمسة عشر ألفا يتلهبون حماسة، ويصفقون للمقترحات المعروضة عليهم تصفيق المأخوذين بنشوة عارمة لا يقف في طريقها معترض يبالي بشهرته، بل بحياته، إلا هذا الرجل الفذ العجيب، فإنه لم يوافق ولم يسكت، ووقف وحده ينقد آراء الخطباء وحماسة المجتمعين، وكان في الهند يومئذ مستر ودجوود مندوب حزب العمال، فكتب يقول: «إن الهند ماضية في طريق الحرية؛ لأن فيها رجلا يستطيع أن يثبت على رأيه في وجه الجموع المخالفة!»
أما مستر جنتر مؤلف الكتب المشهورة عن داخل أوروبا، وآسيا، وأمريكا فقد قال: «إن الرجل حفر قبره بيديه.»
وتؤاتيه هذه الشجاعة إذ يخاطب الغوغاء وهم في غليان التعصب، كما تؤاتيه إذ يخاطب جمهورا من أعضاء المؤتمر والعصبة، فمن مواقفه التي يندر جدا أن يقدم عليها أحد من الساسة موقفه بين المسلمين والسيخيين في خلافهم على موقع تنازعوه، فقال المسلمون: إنه مسجد قديم، وقال السيخيون: إنه ملك لأجدادهم لا ينزلون عنه، وهاجت الفتنة هياجها وتساءل الناس كيف يواجه الرجل هذه الثورة الجائحة، فإذا به يذهب إلى مكان الاجتماع هادئا ساكنا كأنه يذهب إلى مجلس سمر، وتطلع إليه المجتمعون فلم يتكلم ولبث هنيهة يدخن سيجارته حتى فرغ من تدخينها، وبدلا من أن يعديه هياج الجموع أعدى الجموع هدوءه وسكينته فسكنت جائشتهم، وظلوا يترقبون كيف يبدأ الكلام وما عساه يقول، فلما تكلم كان كلامه آخر شيء توقعوه؛ لأنه لم يتملقهم ولم يجاملهم، بل أخذ في تبكيتهم؛ لأنهم يتعرضون لمسألة دينية بوسائل غير دينية، وليست مما ترضاه عقيدة المسلمين ولا عقيدة السيخيين، ومن عجيب قوته أنه أخجلهم ولم يثرهم بذلك التبكيت، ثم مضى يعرض للمسألة المختلف عليها، ويبين لهم أنها من المسائل التي تعرض على القضاء ليفصل فيها بالحجة والبينة؛ لأنها نزاع على عقار، فإن ثبت أنه مسجد قديم فالمسلمون أولى به، وإن لم يثبت فشأنه شأن كل بقعة يملكها غير المسلمين.
وقد أبت صراحته في كل موقف أن يجامل الهيجة الغالبة في وقت من الأوقات، وإن هانت فيه ظواهر المجاملة، فماذا عليه مثلا لو لبس كساء الزي الشائع الذي اصطلح عليه جماعة المغزل من البراهمة والمسلمين اقتداء بالمهاتما المبشر بذلك الكساء؟ لقد كان في اجتماع ناجبور الذي سبقت الإشارة إليه نحو خمسة عشر ألفا يلبسون «الخادي» ولكنه هو وحده حضر الاجتماع بملابسه المعتادة؛ لأنه لم يكن يؤمن بحركة المغزل، فلا يبيح له ضميره أن يلبس «الخادي» ساعة أو سويعات، وهو لا يرى في حركة المغزل حلا للقضية الهندية.
والذين خبروا الرجل من قريب يشهدون له بهذه الصراحة المستقيمة التي تشهد بها أقواله وأفعاله، ومنهم إنجليز وبرهميون، ومنهم مسلمون يخاصمونه ولا يقرون سياسته، ومنهم من اتهم غاندي في صراحته ولم يخطر له قط أن يتهم صراحة جناح، قال بيفرلي نيكولاس
Beverly Nicholas : «إن الفرق بين جناح والسياسي الهندي هو الفرق بين الجراح والساحر.» وقال الديوان شمان لال: «إنه أحد الرجال القلائل الذي لا يخدم مأربا شخصيا ولا يرمي إلى غاية نفعية. إن نزاهته فوق الشبهات.»
Bog aan la aqoon