48

Maxamed Cali Janaax

القائد الأعظم محمد علي جناح

Noocyada

وقوانين المادة هنا تسعفنا كما تسعفنا خصائص الروح وسرائر الضمير، فإن المادة إذا انطلقت لم تقف إلا بموقف يعترضها في طريقها، وماذا في جناح - ماذا في داخل نفسه القوية - يثنيها عن عزيمتها بعد إعمال الرأي في هدوء وبصيرة؟ لا يثنيها إلا المهانة وهي لا تقبل المهانة، وإلا الغرض وهي منزهة من الغرض، وإلا الضعف وهي من الضعف براء.

ثقة الناس به

إن الثقة تعدي ...

وهذه الثقة من جناح بنفسه ورأيه هي التي سرت منه إلى نفوس الجماهير، فجلبت إليه ثقة الجماهير، بغير مساومة وبغير اقتفاء وبغير احتيال.

نعم إن الثقة تعدي، وقد أعدت ثقة جناح بنفسه نفوس أتباعه ورعاياه فأسلموه مقادهم، مطمئنين إلى عزمه، كاطمئنانهم إلى حكمته وحكمه.

بيد أن هذه الثقة التي امتلأت بها نفوس أمة كاملة كانت لها في تلك النفوس دواع غير التي استمدتها من نفس قائدها.

كانت سمعته العالية بالأمانة والاستقامة أكبر دواعيها، وقد ذاعت سمعته بالأمانة والاستقامة منذ ذاعت له سمعة.

لبث جناح ثلاث سنوات يشتغل بالمحاماة وينتظر الشهرة على مهل، ولم يقبل أن يتعجل الشهرة على ألسنة السماسرة والوسطاء كما يفعل المحامون المبتدئون، وقد كان في الشهرة يومئذ رزقه ومنزلته ورزق أهله؛ لأنهم كانوا في ذلك الحين قد فقدوا معظم الثروة التي توارثوها منذ أجيال.

ولما تسامع الناس بالمحامي الناشيء شيئا فشيئا علم رجال الدولة أن ها هنا سياسيا مقبلا قد يكون مصدرا للمتاعب في وقت قريب؛ إذ جرت العادة عندهم أن المحامي القدير والخطيب اللسن لن يطول به العهد حتى ينتقل من الكلام أمام القضاء إلى الكلام على منصة الرأي العام، فأغروه بوظيفة حسنة لم يلبث أن استقال منها وحرم على نفسه الوظائف بعدها؛ لأنها تفرض عليه من القيود ما لا يطيق.

وشاع عنه أنه لا يقبل قضية باطلة، وأنه لا يرفض قضية عادلة ولو كانت الأسانيد فيها خفية والمتاعب فيها مجهدة، وجعل دأبه أن يأخذ مكافأته كلها سلفا؛ لأنه كان ينزل في أول الأمر عن مؤخر المكافأة إذا ماطله صاحب القضية وألجأه إلى المطالبة والمقاضاة، وكسب في بعض مرافعاته قضية كان صاحبها يائسا من كسبها، وكان من ذوي الثراء الذي يحصى بالملايين، فأرسل إليه هبة سخية فوق المكافأة المتفق عليها، فردها إليه.

Bog aan la aqoon