Maxamed Cali Janaax
القائد الأعظم محمد علي جناح
Noocyada
ودعاه حاكم الهند إلى مجلس يعقده في «سملا» للمشاورة والاتفاق على حل من حلول القضية المعضلة، فلما وصل إلى المحطة ولم يجد هناك مركبة الحاكم العام في انتظاره كما انتظرت المهاتما غاندي من قبل عاد أدراجه، ولم يحفل بما عسى أن يصنعه الحاكم المتحكم هناك في الزعماء والشعوب. •••
وقد تعود الناس من الزعماء أن يتملقوا الجماهير وهم يترفعون عن تمليق الملوك ورؤساء الحكومات.
لكن لهذه القاعدة عنده شذوذ، فلا تمليق للجماهير ولا متابعة لها في غرورها ولا احتيال على مرضاتها في غير ما يرضي الحق والمصلحة القومية، ويشهد بذلك خصومه الذين يخلقون المثالب إن لم يجدوها ويهمهم أن يصموه بوصمة الشعوذة السياسية أو الاجتماعية لو عرفوا سبيلا إلى وصمة يلصقونها به من هذا القبيل.
قال «الان كامبل جونسون» في كتابه عن مهمة اللورد مونتباتن في القضية الهندية، وكان مؤلف الكتاب من مديري مكتبه ومن أقرب الناس صلة بزعماء الهند ورؤساء الحكومات فيها:
كان غاندي مطبوعا على غريزة مدهشة تلهمه بث الأفكار بين الجماهير، تعززها اجتماعاته بهم مباشرة في مجامع الصلوات التي يشجعها، كما تعززها مخالطته الواسعة للناس في جميع مناحي الحياة، أما جناح فهو على خلاف ذلك يستمد نفوذه من القيادة على بعد، فهو لا يتزلف للجماهير ولا يكثر من مخالطتها، وقد مزج بين التدبير المرن المصقول في حزم ودقة وبين القدرة على الانتفاع من أغلاط خصومه بإرادة من حديد، ونفاذ إلى الغاية الموحدة التي لا ينحرف عنها، وأنه لظاهرة فذة في القضايا الكبرى: نادى بالباكستان وهو في الستين وحققها وهو في السبعين.
سمعنا كثيرا أن الجماهير تؤخذ بالتمليق والخداع، وأنها تحب التغرير والمغررين، ورأينا كثيرا مصداق هذا الذي سمعناه، ولكن التاريخ يعرض لنا حينا بعد حين زعامات تصارح الجماهير ولا تنخذل، بل زعامات تنجح؛ لأنها تبده الجماهير بالزجر والملامة، وكانت زعامة جناح واحدة من هذه الزعامات النادرة في القرن العشرين.
وصحيح أن قضية الباكستان قضية سبقت إلى إلهام الجماهير ولم تسبق إلى تفكير الساسة وروية الزعماء، وصحيح أنها من أجل ذلك كانت في غنى عن تكلف التمليق والتزويق لإثارة شعور الشعب، وتحويله من الشك فيها إلى الإيمان بصدقها وضروراتها، ولكنها على كل هذا كان من الممكن أن تؤول إلى زعامة رجل يعالجها بالمداهنة والمخاتلة، ولا تلومه الجماهير على ذلك، بل لعلها تبتهج به وتمحضه الحب والإعجاب، فإذا كان لطبيعة القضية فضل في سلامتها من آفة الدعوات الشعبية؛ فلا نكران لفضل الزعيم الذي مارس قيادتها بوحي طبعه، واستطاع بالصدق والصراحة ما كان غيره عاجزا عنه بغير التمليق والتزويق.
وأشرف من الكرامة التي تواجه الأفذاذ المسيطرين كرامة تواجه الملايين وعشرات الملايين، أو تواجه الغرائز التي لا تعرف في كثير من الأحيان عقلا غير عقل الطوفان والبركان.
استقلال الرأي
أما استقلال الرأي، وهو أحد الخصال التي تتجلى فيها ثقة جناح بنفسه، فهو على الدوام صنو الكرامة، أو لعله نسخة نفسانية أخرى للكرامة بعنوان آخر، فإن الرجل الذي يشعر بكرامته يترفع عن مقام الذنب التابع لغيره، ويضن بها أن تمحى في غمار الآراء والأهواء، ويحذر الهوان والضعة أشد من حذره الغضب والخسارة.
Bog aan la aqoon